سياسة تنويع مصادر الدخل لها عدَّة مفاهيم ولكن الأهم أن يكون لدى المملكة «دخل من الخارج غير نفطي»، أي دخل مقابل تصدير سلع وخدمات أخرى، إذا نحن بحاجة إلى «تنويع الصادرات» وليس فقط «تنويع مصادر الدخل». المفهوم الحالي السائد أن البتروكيماويات والتوسع بها «غير نفطي»، وهذا مثير للغرابة إِذ إنها نفطي وتعتمد على أسعار النفط وهما بيض في سلة واحدة. مفهوم استثمارات القطاع الخاص بالمملكة مختلف عن بقية الدول نظرًا للتركيبة الاقتصادية، فالمملكة لا تفرض «ضرائب» على الرواتب ولا على أرباح الشركات غير الزكاة ولا على السلع، فجباية الزكاة السنوية 12 مليار ريال بينما أرباح الشركات المعلنة فقط أكثر من 100 مليار ريال، والزكاة تذهب لبرامج الضمان الاجتماعي، بينما الضرائب تعتبر أكبر دخل للحكومات في الدول الكبيرة والمتقدمة (الولاياتالمتحدة، أوروبا، اليابان، الصين، أستراليا، الخ). ولذلك يجب استثمار المملكة الدولة بنفسها ولكن بشرط ألا تقتل القطاع الخاص، فنموذج بناء شركة سابك (والتي تملك الدولة بها الحصة الأكبر 70 في المائة، والبقية للتأمينات والشركات والمواطنين)، هذا النموذج خلق قوة لشركات البتروكيماويات الأخرى التي هي مملوكة للقطاع الخاص، فلو عملنا عدَّة شركات استثمارية بنفس النموذج في صناعات غير نفطية مثل الطاقة الشمسية والكهرباء وصناعة السيارات والطائرات والأجهزة والمعدات والتكنولوجيا والاتصالات لتمكنا من النهوض بالتنمية مستوفين (أولاً) إستراتيجية خلق الفرص الوظيفية ذات الرواتب العالية المناسبة للسعودي، و(ثانيًا) إستراتيجية تنويع مصادر الدخل والصادرات، و(ثالثًا) خفض الواردات والاعتماد على الدول الأخرى. ها نحن شهدنا مؤخرًا النفط، انخفضت أسعاره إلى أكثر من النصف مقارنة بالأربع سنوات الماضية التي استفدنا خلالها من تعثر التصدير من ليبيا وبعض الدول الأخرى، وأيضًا فرض العقوبات على إيران التي ممكن تعود في أي لحظة، وزيادة صادرات إيران النفطية بمليون برميل المحرومة منه، كفيل بخفض السعر إلى النصف. في الشهرين الأولين من هذه السنة، قيمة الصادرات النفطية في المملكة أقل من نصف قيمتها مقارنة بالشهرين الأولين من العام الماضي. المحفز للمملكة أنها تتميز في الوضع الحالي عن بقية دول العالم بعدة عوامل، حيث إنها من أفضل الدول في (أولاً) انخفاض الدين العام، (ثانيًا) وجود احتياطيات نقدية كثيرة نسبيًا، و(ثالثًا) متوقع دخل جيد من النفط خلال السنوات القادمة حتى وإن كان انخفاض الدخل من النفط من تريليون ريال إلى نصف تريليون، ما زال يعد جيدًا مع وجود فرص للزيادة بين الحين والآخر. ولذلك، من هنا يجب أن تبدأ المملكة بناء هويتها لجلب أموال خارجية وتوفير الفرص الوظيفة لمواطنيها وبناء اقتصاد تنموي مستدام. المملكة تحتاج إلى إستراتيجيات قريبة المدى وأيضًا أخرى بعيدة المدى، فمثلاً قد يكون هناك تشبع في صناعات السيارات والأجهزة في بقية دول العالم وتصعب المنافسة، ولكن تستطيع المملكة من خلال هذه الصناعات خفض الاعتماد على الواردات الذي هو أحد إستراتيجيات البناء للمملكة وأيضًا إستراتيجية توفير الفرص الوظيفية لمواطنيها التي سبق ذكرها. ولكثير من الأعمال، يجب تفعيل دور الجامعات ومراكز البحوث والتطوير والدراسات في التمويل الفكري للصناعات والتكنولوجيا. أما بالنسبة للخطط قريبة المدى، فعلى المملكة بناء خطط سريعة وتنفيذها مستهدفة في البداية توظيف الكوادر البشرية وجني الأرباح من الاستثمارات الخارجية. وبالنظر لأكبر ثلاث سلع تصدرها دول العالم وهي (السيارات، الإلكترونيات، والمعدات) حيث تصدر دول العالم بقيمة 5.4 تريليون دولار، وتعتمد دول مصدرة كثيرة على هذه القطاعات، مثل الولاياتالمتحدة، الصين، اليابان، ألمانيا، المكسيك، فرنسا، إيطاليا، هولندا، وكوريا كأكبر عشر دول مصدرة لهذه السلع التي هي من أهم الصناعات التي نستوردها بكميات كبيرة، فالدخول بها وتصنيعها يخدم إستراتيجيات عدَّة منها توظيف الكوادر البشرية والتقليل من الواردات وتكون حجر الأساس والبنية التحتية للصادرات مستقبلاً. أخيرا، البدايات ستكون صعبة، ولن يكون هناك أرباح في البدايات، وستكون قليلة في السنوات التي تليها، ولذلك يلزم استثمارات حكومية بالشراكة مع القطاع الخاص والمواطنين، ويلزم أن يكون النهج مختلفًا عن المشروعات الحالية التي تعيبها الكثير من ضعف الأداء من جميع النواحي. ويجب أيضًا تفعيل دور الشباب ودور الريادة والرقي والتطوير، ويجب تفعيل العمل الجماعي المؤسساتي والأنظمة الحديثة والحوكمة.