وزير العدل: مراجعة شاملة لنظام المحاماة وتطويره قريباً    سلمان بن سلطان يرعى أعمال «منتدى المدينة للاستثمار»    أمير نجران يدشن مركز القبول الموحد    استعراض أعمال «جوازات تبوك»    المملكة تستضيف اجتماع وزراء الأمن السيبراني العرب.. اليوم    تباطؤ النمو الصيني يثقل كاهل توقعات الطلب العالمي على النفط    البنوك السعودية تحذر من عمليات احتيال بانتحال صفات مؤسسات وشخصيات    توجه أميركي لتقليص الأصول الصينية    إسرائيل تتعمد قتل المرضى والطواقم الطبية في غزة    الجيش الأميركي يقصف أهدافاً حوثيةً في اليمن    المملكة تؤكد حرصها على أمن واستقرار السودان    أمير الشرقية يرعى ورشة «تنامي» الرقمية    كأس العالم ورسم ملامح المستقبل    رئيس جامعة الباحة يتفقد التنمية الرقمية    متعب بن مشعل يطلق ملتقى «لجان المسؤولية الاجتماعية»    وزير العدل: نمر بنقلة تاريخية تشريعية وقانونية يقودها ولي العهد    اختتام معرض الأولمبياد الوطني للإبداع العلمي    دروب المملكة.. إحياء العلاقة بين الإنسان والبيئة    ضيوف الملك من أوروبا يزورون معالم المدينة    جمعية النواب العموم: دعم سيادة القانون وحقوق الإنسان ومواجهة الإرهاب    «سلمان للإغاثة»: تقديم العلاج ل 10,815 لاجئاً سورياً في عرسال    القتل لاثنين خانا الوطن وتسترا على عناصر إرهابية    العلوي والغساني يحصدان جائزة أفضل لاعب    مدرب الأخضر "رينارد": بداية سيئة لنا والأمر صعب في حال غياب سالم وفراس    ماغي بوغصن.. أفضل ممثلة في «الموريكس دور»    متحف طارق عبدالحكيم يحتفل بذكرى تأسيسه.. هل كان عامه الأول مقنعاً ؟    الجاسر: حلول مبتكرة لمواكبة تطورات الرقمنة في وزارة النقل    ليست المرة الأولى التي يخرج الجيش السوري من الخدمة!    ولادة المها العربي الخامس عشر في محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية    مترو الرياض    إن لم تكن معي    الجوازات تنهي إجراءات مغادرة أول رحلة دولية لسفينة سياحية سعودية    "القاسم" يستقبل زملاءه في الإدارة العامة للإعلام والعلاقات والاتصال المؤسسي بإمارة منطقة جازان    قمر التربيع الأخير يزين السماء .. اليوم    أداة من إنستغرام للفيديو بالذكاء الإصطناعي    أجسام طائرة تحير الأمريكيين    شكرًا ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رجل الرؤية والإنجاز    ضمن موسم الرياض… أوسيك يتوج بلقب الوزن الثقيل في نزال «المملكة أرينا»    لا أحب الرمادي لكنها الحياة    الإعلام بين الماضي والحاضر    استعادة القيمة الذاتية من فخ الإنتاجية السامة    منادي المعرفة والثقافة «حيّ على الكتاب»!    الاسكتلندي هيندري بديلاً للبرازيلي فيتينهو في الاتفاق    الطفلة اعتزاز حفظها الله    أكياس الشاي من البوليمرات غير صحية    سعود بن نهار يستأنف جولاته للمراكز الإدارية التابعة لمحافظة الطائف    ضيوف الملك يشيدون بجهود القيادة في تطوير المعالم التاريخية بالمدينة    قائد القوات المشتركة يستقبل عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني    المشاهير وجمع التبرعات بين استغلال الثقة وتعزيز الشفافية    نائب أمير منطقة تبوك يستقبل مدير جوازات المنطقة    نائب أمير منطقة مكة يستقبل سفير جمهورية الصين لدى المملكة    الصحة تحيل 5 ممارسين صحيين للجهات المختصة بسبب مخالفات مهنية    "سعود الطبية": استئصال ورم يزن خمسة كيلوغرامات من المعدة والقولون لأربعيني    اختتام أعمال المؤتمر العلمي السنوي العاشر "المستجدات في أمراض الروماتيزم" في جدة    «مالك الحزين».. زائر شتوي يزين محمية الملك سلمان بتنوعها البيئي    5 حقائق حول فيتامين «D» والاكتئاب    لمحات من حروب الإسلام    وفاة مراهقة بالشيخوخة المبكرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الصبان ل«الحياة»:تأثيرات «الوقود الصخري» في «أوبك» لم تبدأ ... ولن نستورد النفط
نشر في الحياة يوم 04 - 12 - 2013

اعتبر المستشار الاقتصادي والنفطي المعروف الدكتور محمد سالم سرور الصبان أن هدوء الجبهات الساخنة في الدول المنتجة للنفط، سيؤدي إلى انخفاض كبير في أسعار النفط العالمية بأكثر من 20 دولاراً للبرميل الواحد، إذ تؤثر الأحداث السياسية والاضطرابات العسكرية والتغيرات المناخية التي تشهدها بعض مناطق الإنتاج النفطي حول العالم في أسعار النفط.
ودعا الصبان السعودية في حوار مع «الحياة» مجدداً إلى إنشاء صندوق سيادي للاستثمار الجيد لفوائض السعودية الضخمة البالغة أربعة تريليونات ريال، معتبراً هذا الصندوق أحد أهم أوجه التنويع الاقتصادي الذي نأمل بتحقيقه.
وحذّر من تأثيرات الوقود الصخري الاقتصادية السلبية على دول «أوبك»، وقال: «الحقيقة التي يجب أن نواجها كمنتجين ومصدرين للنفط أن الوقود الصخري قادم، وأن تأثيراته الاقتصادية السلبية على نصيب «أوبك» في مجمل الطلب العالمي على النفط لم تبدأ بعد في الظهور، ولم تبدأ العديد من الدول التي تقدر أنها تمتلك احتياطات كبيرة منه في استكشافه وإنتاجه».
وحول توجه السعودية لإنشاء محطات نووية لإنتاج الطاقة، قال إنه بإمكان السعودية التفوق في امتلاك وتطوير تقنية الطاقة الشمسية، كما تفوقت في المياه المحلاة، ولعل مراكز الأبحاث في جامعاتنا تستطيع أن تمد هذه الصناعة بما يسمح لها بالتفوق وتصدير الطاقة الشمسية إلى دول الجوار، بل وربما إلى أوروبا.
وعن تأثير نمو الطلب العالمي الضعيف على النفط مع بروز إمدادات متزايدة من سوائل النفط التقليدية وغير التقليدية، واحتمالات تراج الأسعار، قال: «هناك نمو أقل في الطلب العالمي على النفط، تقابله إمدادات متزايدة من سوائل النفط التقليدية وغير التقليدية، تحدث ضغوطاً على الأسعار نحو الانخفاض، ناهيك عن الانخفاض المتوقع في الإيرادات، ومن هنا، فإن حكومات دول الخليج تواجه تحدياً كبيراً يتمثل في مدى قدرتها مستقبلاً في مواجهة عجز منتظم في موازناتها، أو أن تخفض في شكل كبير من إنفاقها العام، والذي قد يمس بعض الأساسيات».... إلى نص الحوار:
تؤكد في تحليلاتك للسوق النفطية أن الأسعار الحالية المرتفعة للنفط مرتبطة ب«مخاوف سياسية»، ما هو السعر الطبيعي لبرميل النفط، وفق أساسيات سوق النفط العالمية؟
- نعرف تماماً أن صور التعامل تعددت في سوق النفط العالمية، من عمليات شراء وبيع فورية وأخرى آجلة، وتسيطر الأسواق المستقبلية للنفط على معظم التعاملات اليومية، إذ يتدخل المضاربون الذين ليس لهم علاقة بإمدادات النفط واستهلاكه، بل هم مجموعة من المستثمرين الذين يحاولون تحقيق مكاسب نتيجة الفوارق التي تحدث بين سعر الشراء وسعر البيع، مستغلين مختلف الشائعات والتوقعات الخاصة بالسوق النفطية وما يؤثر فيها.
والعديد من هذه الصفقات لا تنتظر التسلم الفعلي لبراميل النفط، بل يتم بيع العقد قبل حلول موعد التسليم، وربما يتم بيع هذا العقد مرات عدة، وهذه المضاربة لا تخص سلعة النفط فقط بل العشرات من مختلف السلع والعملات.
وتؤثر الأحداث السياسية والاضطرابات العسكرية والتغيرات المناخية التي تشهدها بعض مناطق الإنتاج النفطي حول العالم في أسعار النفط، وخصوصاً إذا ما أظهرت هذه الأحداث احتمالات طول فتراتها، بحيث تؤثر بصورة أطول في الإمدادات النفطية. إن مستوى أسعار النفط المرتفعة حالياً - وإن بدأت في الانخفاض نسبياً - يعكس اضطرابات الإنتاج النفطي وتقلباته في دول رئيسة منتجة للنفط مثل ليبيا والعراق ونيجيريا.
كما أن استمرار العقوبات النفطية على إيران ألقى ويلقي بظلاله على الأسعار، وإن تم تعويض النقص بزيادة إنتاج بعض دول «أوبك». ونلاحظ هذه الأيام وجود ضغوط كبيرة على أسعار النفط العالمية نحو الانخفاض، نتيجة الانطباع العالمي بحل أسرع مما كان متوقعاً للمشكلة النووية الإيرانية، وبقرب الرفع التدريجي للعقوبات النفطية على إيران.
وبحسب مختلف التوقعات، فإن هدوء مختلف الجبهات الساخنة في الدول المنتجة سيؤدي إلى انخفاض كبير في أسعار النفط العالمية بأكثر من 20 دولاراً للبرميل.
هل الدول المنتجة لا تزال قادرة فعلياً على التحكم أو أن تؤثر في أسعار النفط ومنع انهيارها أم أن الأمور خرجت من يدها؟
- نعم، دول منظمة «أوبك» تستطيع التأثير في الأسعار من طريق التحكم في سقف إنتاجها النفطي وخفضه.
ولكن إذا ما تطلب الأمر خفضاً كبيراً في سقف الإنتاج لمنع تدهور أسعار النفط العالمية، فإن قدرة أعضاء «أوبك» على الالتزام ستضعف تدريجياً، وسيتكرر سيناريو الثمانينات والتسعينات من تجاوزات الحصص وإعطاء حسومات سعرية.
ومن التجربة أيضاً، فإن الدول المنتجة من خارج منظمة «أوبك» لا تقدم على التعاون مع المنظمة وخفض إنتاجها والالتزام الجاد به، إلا إذا وصلت الأسعار إلى مستويات منخفضة أقل من المستويات المقبولة لموازناتها. ويقال دائماً إن «أوبك» مثل «كيس» الشاي لا يعمل إلا في الماء الحار المغلي، والتجربة أكدت وتؤكد ذلك.
قلل الأمين العام ل«أوبك» من تأثير إنتاج الوقود الصخري على السوق النفطية واستشهد بكلفة إنتاجه العالية، وأكد أن إنتاجه سيبلغ الذروة في 2018 ثم يبدأ الانحدار، بينما سيزيد الطلب على نفط «أوبك»، هل هي تصريحات واقعية أم أنها إنكار للواقع؟
- طلب وزراء «أوبك» في اجتماعهم الماضي من الأمانة العامة للمنظمة درس موضوع الوقود الصخري ومدى تأثيره في سوق النفط العالمية، وما تصريح الأمين العام للمنظمة حول هذا الموضوع إلا انعكاس لما تم التوصل إليه في دراسة المنظمة.
ونظراً إلى الكثير من عوامل عدم اليقين حول مستقبل الوقود الصخري، فقد ركزت منظمة «أوبك» في تصريحاتها إلى الساحة العالمية على السيناريو الأكثر تفاؤلاً من جانبها، وهو الذي يقلل من أهمية الوقود الصخري، ويعطي وزناً أكبر لعوامل مثل التأثيرات البيئية وتكاليف الإنتاج، مع افتراض ثبات التطور التكنولوجي في هذا المجال.
وبالطبع، فإن إعلان هذا السيناريو يقلل من احتفال الغرب بقرب التقليل من الاعتماد على ما يستورده من النفط، وهو الهدف الذي ظل يحاول تحقيقه منذ عام 1974، وبالتحديد حينما أنشأت الدول الغربية وكالة الطاقة الدولية لتحقيق هذا الهدف.
وبالتالي، فبمواجهة كبار المستهلكين للنفط لا بد من إعطاء التشكيك في الوقود الصخري أهمية أكبر، وأن العالم سيستمر في الاعتماد على دول «أوبك» في الحصول على حاجاته من النفط، وهو ما قلته أيضاً في مقالتي التي نشرتها صحيفة «فايننشال تايمز» اللندنية أخيراً.
لكن الحقيقة التي يجب أن نواجهها كمنتجين ومصدرين للنفط، أن الوقود الصخري قادم، وأن تأثيراته الاقتصادية السلبية في نصيب «أوبك» في مجمل الطلب العالمي على النفط لم تبدأ بعد في الظهور، ولم تبدأ العديد من الدول التي تقدر أنها تمتلك احتياطات كبيرة منه، مثل الأرجنتين والصين وبعض الدول الأوروبية والأفريقية باستكشافه وإنتاجه.
كما أن الحديث عن الكلفة المرتفعة يعيدنا للجدل الذي كنا نتداوله في أواخر السبعينات وأوائل الثمانينات من القرن الماضي حول نفط بحر الشمال، وأن ارتفاع أسعار النفط العالمية فوق مستوى ال20 دولاراً ووصولها إلى أكثر من 30 دولاراً للبرميل هو ما مكّن منتجي نفط بحر الشمال من الإنتاج والاستمرار في الإنتاج، وأنه بنزول أسعار النفط عن 20 دولاراً للبرميل فسيؤدي ذلك إلى خروج حقول بحر الشمال من الإنتاج.
وما حدث في العام 1986 أن الأسعار انخفضت إلى أقل من 20 دولاراً للبرميل - بل وإلى أقل من 10 دولارات للبرميل - ومع ذلك استمرت هذه الحقول في الإنتاج، بل زاد إنتاجها سواء القائم منها أو ما تمت إضافته من حقول جديدة تم الاستثمار فيها، على رغم المستويات السعرية المتدنية جداً للنفط وقتها.
إذاً علينا ألا نقلل من أمر التأثيرات السلبية المحتملة للوقود الصخري على حصة الأوبك في سوق النفط العالمية، وأن لا نقلل كذلك من أهمية تسارع التطورات التكنولوجية التي تسهم مستقبلاً في خفض التكاليف الاقتصادية والبيئية لإنتاج هذا النوع من الوقود، وهو احتمال وارد جداً.
وما ذكرته منظمة «أوبك» من أن نصيب المنظمة في سوق النفط سينخفض بنسبة ثمانية في المئة العام المقبل، بسبب زيادة إنتاج الوقود الصخري، لا بد من أن ينبهنا إلى طبيعة الخطر المقبل المحتمل جراء زيادة المعروض النفطي العالمي مستقبلاً، سواء من زيادة إنتاج النفط التقليدي لدول من داخل ومن خارج منظمة الأوبك، مثل العراق والكويت وفنزويلا والبرازيل وغانا وغيرها مما أعلن عنه، وتحول دول مستوردة للنفط إلى مصدرة له مثل البرازيل وغيرها.
يضاف إلى ذلك احتمالات زيادة معدلات الإنتاج العالمي من النفط والغاز غير التقليدي في الفترة المقبلة، وبالذات تلك التي أعلنت امتلاكها لاحتياطات ضخمة منه مثل الصين والأرجنتين والجزائر وبريطانيا وغيرها.
يخطط العراق لرفع طاقته الإنتاجية من 3.4 مليون برميل إلى 8.3 مليون برميل في 2020، وقدّر تقرير لوكالة الطاقة الدولية أن يشكل الإنتاج العراقي 45 في المئة من الزيادة المتوقعة في الإنتاج العالمي، كيف سيؤثر ذلك في السوق النفطية وعلى حصص الدول الأعضاء في أوبك؟
- مرّ العراق بظروف خلال ال20 عاماً الماضية تعطلت خلالها بعض قدراته الإنتاجية، كما لم يتمكن من زيادة طاقته الإنتاجية على رغم امتلاكه لثاني أكبر احتياط عالمي من النفط بعد السعودية، وتخطط الحكومة العراقية لزيادة قدرتها الإنتاجية لتصل بها إلى أكثر من 8 ملايين برميل يومياً بحلول العام 2020، إلا أن الظروف الأمنية والخلافات القائمة بين كردستان والحكومة العراقية قد تؤخر هذه الخطط، ولنقل إنها قد لا تتمكن من أن تصل بها إلى هذا المستوى من الطاقة الإنتاجية خلال الفترة المقررة.
أما تأثير زيادات إنتاج الدول الأعضاء في منظمة «أوبك» على سوق النفط وحصص الإنتاج، فإن ذلك يعتمد على طبيعة السوق العالمية وقتها، فإن كانت هناك زيادة في الطلب العالمي على النفط بما يسمح بضخ مختلف الزيادات في الطاقة الإنتاجية فلن تكون هناك مشكلة.
لكن المشكلة تتجسد فيما لو كان إنتاج الدول الأعضاء في المنظمة أكبر بكثير مما يمثله الطلب على نفط «أوبك»، إذ إن ذلك يتطلب التدخل من المنظمة لتحديد سقف كلي لإنتاجها، ويتم بناء عليه تحديد حصة كل عضو بناء على معايير تم تبنيها في الماضي، وقد تظهر معايير جديدة يتم الاتفاق عليها كصيغة توفيقية بين الدول الأعضاء، وهو أيضاً ما حدث في الماضي.
ونحن نعرف أن العراق خارج نظام الحصص حالياً، ولكن لا أتصور أن يستمر ذلك فترة طويلة، وبخاصة إذا ما زاد إنتاجه عن مستوياته الحالية، فوقتها عليه الدخول تحت مظلة الأوبك ليدافع مع الدول الأعضاء الأخرى عن مستويات سعرية معينة فيخفض إنتاجه أو يزيده بحسب طبيعة سوق النفط العالمية.
توقعت دراستين تحول السعودية إلى مستورد للنفط نتيجة النمو المستمر للاستهلاك المحلي، وتتوقع التقديرات الحكومية الرسمية بلوغ الاستهلاك المحلي 8 ملايين برميل في 2028، ما الذي يمكن فعله لمنع الوصول إلى هذه المرحلة الخطرة؟
- الدراستان المشار إليهما ل«سيتي غروب» و«تشاتم هاوس»، وكلتاهما لها سمعة جيدة من حيث الموضوعية والقدرة على التحليل. هاتان الدراستان تعتبران بمثابة تحذير مهم وضروري من أن مشكلة استهلاك السعودية المحلي من الطاقة تفاقمت ووصلت إلى معدلات غير مقبولة (3.5 إلى 4 ملايين برميل مكافئ يومياً)، وأنه باستمرار معدلات النمو السنوي لهذا الاستهلاك (سبعة إلى ثمانية في المئة)، فإن السعودية قد تلجأ إلى استيراد النفط بحلول عام 2028، كما أوضحت الدراستان.
وهذه النتائج أحدثت صدمة محلية بغض النظر عن مدى واقعية افتراضاتها، وأرسلت رسالة تحذير واضحة لمتخذي القرار في المملكة بأنه لا بد من إجراء تعديلات جذرية من خلال التأثير في معدلات الطلب المحلي على الطاقة والاتجاه نحو الترشيد، وزيادة كفاءة استخدام الطاقة.
ولعل إسراعنا في بناء شبكة قطارات بين وداخل المدن سيكون له أثر إيجابي كبير في خفض الاستهلاك، كما أن وضع مقاييس لجميع ما نستورده من السيارات والأجهزة المنزلية وغيرها، بحيث تكون ذات مستويات مرتفعة من حيث كفاءة الاستهلاك والحرص على التطبيق الصارم لهذه المقاييس عند نقاط دخول هذه السلع إلى السعودية، فإن ذلك سيؤدي إلى تحقيق توفير كبير في استخدام الطاقة محلياً.
إن إعانات الوقود التي تقدمها الحكومة والتي تقدر بنحو 162 بليون ريال سنوياً، تعتبر عاملاً أساسياً في ارتفاع الاستهلاك المحلي من الطاقة، ويتزامن هذا مع معدلات النمو السكاني المرتفع، وأيضاً تزايد الطلب على الطاقة في مختلف القطاعات.
وبما أن الرفع التدريجي لأسعار الوقود محلياً، وإزالة الإعانات الحكومية عنه لا بد من أن يتم عاجلاً أو آجلاً لتحقيق مزيد من الترشيد في استهلاكنا المحلي، إلا أنه يجب ألا يتم في غياب تنفيذ شبكة نقل عام واسعة من حافلات وقطارات، وخصوصاً داخل المدن الرئيسة، والتفكير بصورة جدية في كيفية تعويض الفئات ذات الدخل المحدود عن ارتفاع كلفة الوقود، كما فعلت بعض التجارب العالمية الناجحة.
أما في جانب العرض، فالسعودية بدأت في التحول التدريجي نحو تطوير مصادر الطاقة البديلة التقليدية منها وغير التقليدية.
إن الدراستين تفترضان أمرين قد لا نتفق معهما، أولهما أن السعودية ستستمر في اتباع سياساتها الحالية من دون تغيير، وأثبتت الخطوات التي اتبعت إلى الآن – وإن كانت بطيئة - عدم صحة ذلك، وثانياً أنه ليس بمقدور السعودية زيادة طاقتها الإنتاجية عن مستوياتها الحالية وهي 12.5 مليون برميل يومياً، وهذا أيضاً افتراض غير واقعي، بصرف النظر عما إذا كانت السعودية ستقدم على هذه الخطوة أم لا.
أنا الآن أكثر تفاؤلاً من عام ونصف مضيا على صدور الدراستين لجدية الخطوات المتبعة وللتشخيص السليم لطبيعة المشكلة، ولن نصل بإذن الله إلى استيراد النفط في أية نقطة من الزمن.
هل ترى أن دول الخليج بلغت مفترق الطرق، والخيار أمامها إما تقليص اعتمادها على إيرادات النفط وتنويع مصادر دخلها، وإعادة النظر في سياساتها الاقتصادية الريعية، وإما الاستمرار في تلك السياسات وانتظار الأسوأ؟
- يشهد العالم تطورات عدة في مختلف المجالات، كما أن التطورات التكنولوجية تقدم لنا اختراقاً تلو الآخر.
وحينما يقول الكثيرون إن العالم يشهد ثورة في مجال الطاقة بدأت تغير في طبيعة الخريطة العالمية لها، يظن البعض أنها تنحصر في مجال الوقود الصخري، وهو الأمر غير الدقيق، إذ إن التغيرات الهيكلية لحقت بكل عناصر الطلب والعرض العالمي من الطاقة، والتي بدأت في ظهور انحسار تدريجي في نسبة نصيب النفط في ميزان الطاقة العالمي.
وهذا الانحسار النسبي يرجع إلى عوامل عدة أسهمت في ظهوره، ومنها أن طول أمد بقاء أسعار النفط مرتفعة مكّن من تحسن الجدوى الاقتصادية للعديد من بدائل الطاقة.
وإذا أضفنا إلى ذلك التحسن والتطور التكنولوجي، ومعايير الكفاءة الإلزامية التي بدأت العديد من الدول في سنها على هيئة تشريعات إلزامية تتدرج مختلف الصناعات بما في ذلك صناعة السيارات في تطبيقها، والحجم الكبير للإعانات الحكومية المقدمة للطاقة الجديدة والمتجددة ولفترات طويلة، لاتضحت لنا طبيعة البذور التي غُرست والتي بدأت تحقق حصادها تباعاً.
إن سباق الدول المستهلكة نحو خفض اعتمادها على النفط بحجة تحقيق ما تسميه «أمن الطاقة»، بدأ يأخذ مساراً جدياً ستظهر نتائجه تباعاً عبر الأعوام المقبلة. فالوقود الصخري قادم، وإجراءات كفاءة استخدام الطاقة بدأت تنتشر عالمياً، وبدأ يتزايد نصيب الفحم في توليد الطاقة الكهربائية، متجاهلين مساوئه البيئية الجمة.
كما بدأت جميع الدول التي تمتلك احتياطات من النفط والغاز التقليدي وغير التقليدي في التنافس على التوسع في استغلالها، تغريها في ذلك أسعار النفط المرتفعة حالياً، إضافة إلى التوقعات المتفائلة جداً بخصوص الطلب المستقبلي على النفط، والتي تصدر من وكالات الطاقة في الدول المستهلكة الرئيسة.
وفي المحصلة النهائية، إن هناك نمواً أقل في الطلب العالمي على النفط، تقابله إمدادات متزايدة من سوائل النفط التقليدية وغير التقليدية، تحدث ضغوطاً على الأسعار نحو الانخفاض، وتدخل «أوبك» في دوامة الدفاع عن الأسعار وما يتبع ذلك من خلافات بين دولها الأعضاء حول الحصص ومدى الالتزام بها. ناهيك عن الانخفاض المتوقع في إيراداتها نتيجة خفض إنتاجها أو انخفاض أسعار النفط العالمية أو الاثنين معاً.
ومن هنا، فإن حكومات دول الخليج تواجه تحدياً كبيراً يتمثل في مدى قدرتها مستقبلاً على مواجهة عجز منتظم في موازناتها، أو أن تخفض في شكل كبير من إنفاقها العام، والذي قد يمس بعض الأساسيات.
ويحدث هذا الأمر فيما لو عجزت في سباقها للتنويع من مصادر دخلها الأخرى غير النفطية في الفترة المقبلة. لذا فهو تحذير أزعم أنه غير مبالغ فيه. ولعل التحذير الذي أطلقه رئيس الوزراء الكويتي أخيراً باستحالة استمرار نموذج «دولة الرفاهية» يصب في هذا الإطار، ويطلق جرس إنذار لا يمكن تجاهله.
تخطيط شركة أرامكو السعودية إلى الانتقال الكامل - بحلول 2020 - من مجرد منتج للزيت والغاز إلى شركة طاقة وكيماويات عالمية متكاملة، هل هذا يعني اعترافاً منها بأن السوق النفطية تتغير، وأن مستقبل الصناعة النفطية لن يكون مزدهراً كالماضي والحاضر؟
- إن سياسة تنويع الاستثمار وتحول «أرامكو السعودية» لتكون شركة طاقة متكاملة يعتبر ضماناً لاستمرار تنافسيتها في الأسواق العالمية، واستمرارها في تحقيق دخل منتظم للسعودية.
ولنا في تجارب شركات النفط العالمية الأخرى في هذا المجال دليل على ذلك. فهذه الشركات العالمية الكبرى اتبعت مختلف الوسائل لضمان استمرارها في سوق الطاقة العالمية وفي سوق البتروكيماويات. ونذكر على الدوام خطوات اندماج بعضها، وتوسع بعضها الآخر في تنويع استثماراتها، حتى غدت تحقق أعلى الأرباح بين مثيلاتها من الشركات العالمية سواء في مجال الطاقة أو الصناعات الأخرى.
ويعتبر التكامل الرأسي والأفقي من أهم ملامح بقاء وتطور الشركات العالمية، وأرامكو السعودية اتجهت منذ عشرات الأعوام إلى أن تتكامل رأسياً، فأنشأت المصافي النفطية وتملكت الناقلات البحرية للنفط، وشاركت في ملكية شركات في الدول المستهلكة الرئيسة، فمشاريعها المشتركة في الولايات المتحدة والصين وكوريا الجنوبية وغيرها دليل على ذلك.
وهي الآن تسعى إلى تحقيق ما يعرف بالتكامل الأفقي، بدخولها مجال الاستثمار في مصادر الطاقة الأخرى، وأيضاً مجال البتروكيماويات وغيرها، لتكتمل حلقة التكامل الرأسي والأفقي، وتصبح شركة تواجه بصلابة مختلف التيارات والأزمات التي قد يمر بها الاقتصاد العالمي.
ونحن حينما ننادي بتنويع الاقتصاد السعودي، فإن ذلك لا يعني التخلي عن تطوير قطاع الطاقة في بلادنا والذي نمتلك فيه ميزة تنافسية، ولكننا ننادي بتطويره وتطوير القطاعات الأخرى، معتمدين في ذلك على النهج الذي بدأنا نسلكه أخيراً، وهو بناء الاقتصاد المعرفي.
ولا يجب أن نحبط أنفسنا بأن تحقيق ذلك صعب المنال، أو أنه سيأخذ أعواماً طويلة لتحقيقه. فكوريا الجنوبية واليابان وماليزيا وغيرها انتهجت هذا النهج المعرفي من دون أن تمتلك قاعدة كبيرة للموارد الطبيعية، وحققت في فترة قياسية تقدماً اقتصادياً رفيعاً، اعتمدت فيه على المواطن كأساس لهذا التقدم والابتكار والإبداع.
تتجه السعودية إلى الاستثمار في إنتاج الطاقة من مصادر بديلة أو متجددة، ما هي أفضل الخيارات المتاحة، وهل تؤيد أو تعارض الاستثمار في الطاقة الذرية، إذا أخذنا في الاعتبار عوامل الكلفة والأمان؟
- السعودية حباها الله بمصدر طبيعي يكاد يكون متوافراً على مدار جميع أيام العام ألا وهو الشمس، وإذا كان من قائمة للأولوية في الاستثمار في الطاقة المتجددة، فلا بديل أمامها من البدء بالطاقة الشمسية كمصدر نظيف ومتوافر، يستخدم في توليد الكهرباء وتحلية المياه، والتحرير التدريجي لكميات النفط المستخدمة محلياً للتصدير.
وكما تفوقت السعودية في مجال تحلية مياه البحر المالحة، فإنه بالإمكان التفوق في امتلاك وتطوير تقنية الطاقة الشمسية. ولعل مراكز الأبحاث في جامعاتنا، ومنها جامعة الملك عبدالله للعلوم والتكنولوجيا تستطيع أن تمد هذه الصناعة بما يسمح لها بالتفوق وتصدير الطاقة الشمسية إلى دول الجوار، بل وربما إلى أوروبا.
أما في ما يتعلق بالطاقة النووية، فالقرار السياسي تم اتخاذه، وسواء اتفقنا أم اختلفنا حول الطاقة النووية، فإنه سيتم إنشاء مفاعلات لتوليد الطاقة النووية. تخوفي وتخوف الكثيرين هو في مدى استعدادنا للتعامل مع هذا المصدر، وهل نستطيع بناء القدرات الذاتية المحلية للتعامل مع كل أخطارها في حال وقوع حادث ما مهما كانت درجته، خصوصاً أن المنطقة سواء على الخليج العربي أم البحر الأحمر صغيرة، وتسمح بانتشار الإشعاعات إلى مختلف المناطق المأهولة بالسكان. كما أنه لا بد من التحقق من كيفية التعامل مع النفايات النووية. كل هذه المحاذير وغيرها لا بد من التصدي لها، والتعرف على الأسباب التي أدت وتؤدي إلى تخلي الدول الصناعية عن الطاقة النووية.
نلاحظ أيضاً أن السعودية بصدد تكثيف عمليات التنقيب عن مزيد من الغاز الطبيعي التقليدي وغير التقليدي، والتحول التدريجي لإحلال الغاز محل النفط المستخدم لتوليد الكهرباء وتحلية المياه، وبالتالي تحرير تدريجي لمزيد من النفط الخام للتصدير.
انتقدت مرات عدة استثمار السعودية غالب فوائضها المالية في سندات الخزانة الأميركية، وناديت باستغلالها في تأسيس صندوق سيادي، ما الذي يمكن أن يحققه الصندوق ولا يحققه الاستثمار في السندات من ناحيتي العائد والأمان؟
- لم يكن انتقاداً بقدر ما كانت نصيحة مخلصة يحتمها علينا حبنا لوطننا الغالي وتطلعنا إلى استقراره الاقتصادي المستدام عبر الأجيال المقبلة، ونعتقد أن تنويع هذه الاستثمارات يمثل استغلالاً أفضل، وتستطيع أن تكون رافداً إضافياً للدخل يعتمد عليه في الأعوام المقبلة.
فالتنويع في استثمارات الاحتياطات السيادية هي سمة جميع الدول التي تمتلك فوائض مالية ضخمة، مثل: الصين والنروج وكوريا الجنوبية وروسيا وأستراليا وهونغ كونغ وسنغافورة ونيجيريا والكويت والإمارات وقطر والجزائر وليبيا وعُمان وغيرها من الدول، بل وحتى لبنان أعلنت أنها بصدد إنشاء صندوق سيادي تستثمر فيه عائداتها المقبلة من النفط.
كما لا يمكن تركيز هذه الاستثمارات في أصل واحد، أو في مكان واحد بل لا بد من أن تتنوع جغرافياً، وتقتنص الفرص الاستثمارية في أماكن وجودها. وهذا النهج يحقق عائدات أكبر، ويقلل من أية مخاطر قد تواجهها هذه الاستثمارات.
والسعودية بامتلاكها لنحو 4 تريليونات ريال فوائض نقدية، لا يمكن أن تبقي معظمها شبه سائلة على هيئة سندات الخزانة، بعائدات تقل بكثير عن معدلات التضخم العالمي، وبالتالي هي تتآكل تدريجياً في قيمتها الحقيقية، ناهيك عن المخاطر التي بدأت تواجهها سندات الخزانة الأميركية، واحتمالات عدم قدرة الإدارة الأميركية على رفع سقف الدين العام، وبالتالي عدم قدرتها على سداد العوائد السنوية لهذه السندات، وما يتبع ذلك من احتمالات الوصول إلى السيناريو الأسوأ، وعدم القدرة على استرجاع قيمة هذه السندات لا سمح الله وهذا احتمال وارد جداً.
لقد كتبت العديد من المقالات منذ العام 2004، أطالب فيها بإنشاء السعودية صندوقاً سيادياً أسوة بغيرنا من الدول التي امتلكت فوائض أقل بكثير مما نمتلكه، وتمت مناقشة كل حجج المعارضين بالمنطق الاقتصادي المتعارف عليه، وآخرها ما تعلق بالحاجة إلى سيولة نواجه بها متطلبات الاقتصاد السعودي، فذكرنا أنه بالإمكان احتجاز ما نسبته 20 إلى 30 في المئة من 4 تريليونات ريال على هيئة شبه سائلة نواجه بها أية نفقات غير متوقعة «حيث إن المتوقع منها مدرج في موازنة كل عام»، والبقية يتم تنويع استثمارها في مختلف الأصول وفي مختلف الأسواق (شركات وعقارات ومصانع وغيرها من الفرص الاستثمارية العديدة والسهلة حالياً والمتوافرة في مختلف أنحاء العالم) من خلال هذا الصندوق المقترح.
كما أن دخول مجالس إدارة بعض الشركات والمصانع من خلال هذا الصندوق يعطي الفرصة للتأثير في مختلف القرارات، ومنها الاستثمار في الدول التي تمتلك هذه الحصة أو تلك.
وبالتالي فالمزايا عدة والعائدات حتماً أفضل من معدل الفائدة الضئيل العائد على سندات الخزانة، والمخاطر أقل بفضل التنويع الجغرافي وحسن اختيار الفرص، في ظل اختيار إدارة ذات كفاءة عالية ولها استقلاليتها وتخضع لحوكمة عالية الكفاءة.
ويكفي أن نعلم أن موازنة إحدى الدول التي تمتلك صندوقاً سيادياً سيتم تمويلها سنوياً بالكامل من عائدات هذا الصندوق السيادي ابتداءً من العام 2020، من دون الحاجة إلى عوائد أخرى من أي مصدر كان.
وفي تصوري فإن الاستثمار الجيد لفوائض السعودية الضخمة من خلال صندوق سيادي، سيمثل أحد أهم أوجه التنويع الاقتصادي الذي نأمل بتحقيقه، وإن لم نستطع تحقيق ذلك في ظل العصر الذهبي الذي نعيشه للعائدات النفطية، فمتى يتم ذلك؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.