الكاتب له رأي يطرحه، وليس بالضرورة أن يكون رأي الكاتب معبراً عن وجهة النظر الرسمية، حتى ولو ادعى البعض ذلك، فالكاتب، خصوصاً من يكتب في الشأن السياسي، يتابع، ويحلل، ويستقرئ ثم يكتب عطفاً على ذلك، وقد يكون الرأي صائباً، وقد لا يكون، فمثلاً عندما كتبت هنا أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما كان، ولا يزال يدعم الثورات العربية، فإن مرد ذلك هو التصريحات، والتسريبات، والقرارات التي تصدر منه، أو من أركان إدارته، ومن الممكن، أيضاً، أن يكتب كاتب آخر على العكس من ذلك تماماً، ويبقى المهم هو ألا يطرح الكاتب رأياً مبنياً على العاطفة، وما أكثر هؤلاء في الصحافة العربية، ولا يعني ذلك تنزيه الإعلام الغربي، فهو قد تحوّل جذرياً، وبشكل مخيف، وذلك منذ حرب الخليج الثانية، في عام 1990 . مجتمعنا مغرم بالتصنيف، ونادراً ما تجد كاتباً غير مصنف، فهذا إخواني، وذاك ليبرالي تغريبي، وبالتالي هناك أحكام مسبقة، وهناك من ينتقد مقالاً لكاتب معين، وهو لم يقرأه، فهو انتقد الكاتب، لأنه مصنف لديه من التيار الآخر (الخصم)، ولم ينتقده لأنه كتب خلاف قناعاته، لأنه لم يقرأ المقال أصلاً!!، والتصنيف وصل مراحل متقدمة، وأصبح يفرق بين الأحباب، وحتى بين الأخ وأخيه، وأعترف هنا بأن التصنيف وصل مرحلة «الشيطنة»، كما هو حاصل الآن ضد ما يسمى بالتيار الليبرالي، أو بالأصح المتلبرل، وكذلك ضد تنظيم الإخوان المسلمين، لأنه يصعب الاعتراف بأن لدينا تياراً ليبرالياً، فما يوجد لدينا هو حالة تعامل ضد السائد، وينضم تحت لوائها أصناف شتى، وفئام من الناس، ليس بينهم من يمكن أن يطلق عليه لقب «ليبرالي»، إذا أردنا أن نطبق المعايير الصارمة لليبرالية الحقيقية. ذات الشيء ينطبق على شيطنة كل من يختلف مع من يتعامل ضد السائد»، فليس صحيحاً أن كل شخص متدين ينتمي لتنظيم الإخوان، فقد مرت علي حالات، اتهم فيها أشخاص بعينهم بأنهم «إخوانيون»!!، مع أني أعلم أنهم لا يتبعون لأي تنظيم، بل هم سلفيون تقليديون، أو وطنيون، وأصبحنا نرى حالات «شيطنة» لمواطنين صالحين، أو بالأصح أصبح لدينا مكارثية حقيقية ضد من نختلف معهم، ولا أبرئ أحداً من ذلك، فمنذ الثورات العربية كثرت حالات الشيطنة للآخر المختلف، والاستعداء عليه، لدرجة لا تطاق، فلعل الجميع يراجعون حساباتهم، فما يجري أقوى من درجة الاحتمال، ولعل الكتاب، والمثقفين يتولون زمام المبادرة بهذا الخصوص.