أكد متخصصون في قطاع تقنية المعلومات والاتصالات حاجة المملكة إلى التوسع في التوجه نحو الاستثمار في الاقتصاد الجديد المعروف باقتصاد المعرفة، داعين في هذا الصدد إلى توسيع تجربة الدولة في تأسيس الشركات الكبرى على غرار شركتي أرامكو السعودية، و»سابك»، على أن تتخصص تلك الشركات في قطاع تقنية المعلومات والاتصالات بهدف تعزيز البيئة الملائمة لتكريس الصناعة المعرفية. وقالوا إنه على الرغم من وجود عدة تحديات وصعوبات تواجه هذا الخيار، إلا أن البيئة مهيأة لقيام صناعة قوية بدأت بالفعل تجاربها الناجحة، مطالبين بضرورة تكامل الإمكانات الحكومية مع جهود القطاع الخاص لتعظيم هذه الصناعة. جاء ذلك خلال ملتقى «تجارب واقعية.. نحو اقتصاد المعرفة» الذي نظمته غرفة الرياض ممثلة بلجنة المكاتب الاستشارية مساء أمس الأول الأربعاء، وشارك فيه أربعة من المتخصصين وأصحاب التجارب الواقعية في قطاع تقنية المعلومات والاتصالات، وأداره الدكتور عاصم بن طاهر عرب رئيس اللجنة. بداية، عرف عبدالرحمن عبدالعزيز مازي المتخصص في قطاع تقنية المعلومات والاتصالات اقتصاد المعرفة بأنه نمط اقتصادي متطور قائم على استخدام واسع لتقنية المعلومات والاتصالات (التقنية الرقمية)، وتحقق فيه المعرفة الجانب الأعظم من القيمة المضافة، ويرتكز بقوة على المعرفة والإبداع والتطور التقني والابتكار للتنافس عالمياً، بعكس الاقتصاد التقليدي الذي يعتمد بصورة أقل على المعرفة. وقال إنه على الرغم من التحسن الكبير الذي شهدته المملكة في مجال العلوم والتقنية والابتكار خلال العقد المنقضي، إلا أن منظومة الإبداع والابتكار في المملكة لا تزال دون المستوى والطموحات، حيث حلت المملكة في مؤشر الابتكار العلمي عام 2010 في المرتبة ال 48 من بين 141 دولة شملها المؤشر. وأكد مازي، أن المملكة تسير في الطريق الصحيح في تكوين منظومة الإبداع، لكن عليها أن تواجه بعض التحديات التي تتطلب مواجهة قوية مثل عدم كفاية القدرات البحثية للجامعات بالمقارنة مع الدول المتقدمة، والفجوة الواسعة بين إنتاج المعرفة وآليات استثمارها، وغياب سياسات واضحة للتطوير التقني في الاستراتيجية الصناعية. كما لفت إلى امتلاك المملكة لنقاط قوة وميزات تنافسية تزيد قدراتها في تكريس منظومة الإبداع تتمثل في توفر ثروات طبيعية ضخمة، وإمكانات عالية للقطاع الخاص، وتوفر شركات عملاقة مملوكة للدولة مثل أرامكو السعودية، سابك، وتوفر بنية تحتية متطورة لتقنية المعلومات والاتصالات، داعياً إلى استثمار هذه المقومات لتحقيق التقدم المنشود. وأشار إلى أن السويد، فنلندا، الدانمارك، النرويج، وهولندا احتلت المراتب الخمسة الأولى عالمياً في مؤشرات اقتصاد المعرفة عام 2012، بينما تراجع موقع أمريكا من المركز الأول عام 1995، إلى المركز الرابع في 2000، ثم إلى المركز ال 12 في عام 2012، لكنها ظلت قوية في مجال الإبداع والابتكار عبر تسجيلها أرقاماً عالمية في براءات الاختراع والأبحاث العلمية والتقنية. من جهته، تحدث المهندس راكان هذال الفايزي مؤسس إحدى الشركات المتخصصة في التسويق الرقمي، ومدير المشاريع، عن تجربة شركته الناجحة في مجال التسويق الإلكتروني، وكيفية تحويل الفكرة إلى فرصة استثمارية حقيقية في الفضاء الإلكتروني، لافتاً إلى أن شيوع استخدام أجهزة الذكية من جوال وتابلت وتوسع الدخول على مواقع الإنترنت والتواصل الاجتماعي أسهم في اتساع نطاق التسويق الرقمي (الإلكتروني)، مشيراً إلى ميزانية التسويق الرقمي في عام 2014 في المملكة تضاعفت مقارنة بعام 2013. وقال إن 70% من ميزانية الإعلانات الخارجية بالمملكة تحولت إلى التسويق الرقمي في عام 2014، وقال إن بعض الناشطين في استثمار مواقع التواصل الاجتماعي بالمملكة يحقق دخلاً شهرياً من الإعلانات يتجاوز راتب وزير، مشيراً إلى أن الفكر الاستثماري في شبكات التواصل الاجتماعي بالمملكة بدأ جدياً في عام 2012، حيث تحول من العمل العشوائي إلى العمل المنظم. كما ضرب الفايزي أمثلة لنماذج ناجحة حققها شباب سعوديون عبر تجارب اعتمدت على مواقع التواصل الاجتماعي وحققت دخولاً كبيرة مثل تجربة ركين لاستطلاعات الرأي، ومروان المريسي الذي حول السيرة الذاتية إلى انفجورافيك، وفطور فارس التركي. من جانبه، تحدث خالد مرشد الكثيري الرئيس التنفيذي لشركة تدير أول مدينة متكاملة للترفيه التعليمي بالمملكة، موضحا أن مشروعه يمثل مشروعاً وطنياً يهدف لتنمية المهارات العلمية والاجتماعية للطفل وتوسيع الخيال الإبداعي والقدرة على الابتكار لديه، وتعزيز ثقته بنفسه من خلال بناء بيئة تعليمية ترفيهية آمنة يمارس الطفل خلالها مجموعة من المهن بطريقة تخيلية تحاكي الواقع في جو من المتعة يتحقق عبر شعار رفعته الشركة: «عيش اليوم حلم الغد». وقال الكثيري إنه زار المدينة 220 ألف طفل خلال عام بدأ من انطلاقتها في مارس 2013 إلى مارس 2014، بمعدل يومي 650 طفلاً عدا المرافقين لهم، لافتاً إلى أن المدينة تريد أن تصنع عالماً فريداً للطفل، وتسعى لتأسيس برامج توسعية تكرس هذا الهدف لبناء جيل واعٍ متفاعل من الأطفال وإعداده للمستقبل بصورة إبداعية غير تقليدية. وقال في هذا الإطار إن المدينة افتتحت قناة الفضائية لتكمل حلقة الترابط مع الطفل السعودي ببرامج تفاعلية ابتكارية. وكان آخر المتحدثين الدكتور عبدالرحمن سعد الجضعي الرئيس التنفيذي لشركة علم الذي ركز حديث على تجربة الشركة في تعزيز مفهوم الاقتصاد المعرفي، من خلال استثمار قدرات الحكومة الإلكترونية والبيانات المفتوحة التي تتيحها في نشر وتعزيز الاقتصاد المعرفي، مشيراً إلى أن شركة علم هي مملوكة بالكامل للدولة. ودعا الجضعي إلى توسيع تجربة الدولة في تأسيس الشركات الكبرى على غرار شركتي أرامكو السعودية، و»سابك»، على أن تتخصص الشركات الجديدة في قطاع تقنية المعلومات والاتصالات بهدف تعزيز البيئة الملائمة لتكريس الصناعة المعرفية، مشيراً إلى تجربة الصين في تأسيس شركات عملاقة تعمل في صناعة المعرفة وتمارس دوراً كبيراً في الأسواق العالمية مثل شركة «هواوي» للاتصالات التي نجحت في غزو الأسواق العالمية في فترة وجيزة وباتت تحقق منافسة قوية مع شركات الاتصالات العالمية الكبرى العريقة مثل «أبل» و«سامسونج».