فرحة غامرة اخترقت وجداني المرهف تبشرني باختياري موجهاً تربوياً للغة الإنجليزية معاراً من حكومة السودان للممكلة العربية السعودية، انشرح صدري وانفرجت أساريري لتلك الإعارة المفاجئة (عام 1970م) لأسباب ثلاثة: أولاً لتحقيق أمنية العمر الحج والعمرة وزيارة قبر الحبيب المصطفى عليه صلوات الله. ثانياً للإلمام بسيرة ومسيرة التعليم بالمملكة. ثالثاً للتعرف على تقاليد وعادات وإرث وتراث شعب مسلم يعمل من أجل إعلاء كلمة الحق وتسهيل أمر حجاج بيت الله. ومما أثلج صدري وفور أن وطأت قدماي رحاب مهبط الوحي، تم توجيهي للعمل بمعهد النور للمكفوفين بمدينة الرياض ويبدو أن اختياري لهذه المؤسسة التربوية الإنسانية قد جاء لخبرتي الطويلة وعملي بمعهد التربية ببخت الرضا وهو أكبر مؤسسة تربوية تعليمية تهدف لتأهيل وتدريب المعلمين بمرحلتي التعليم العام (أولية ومتوسطة) على نطاق الشرق الأوسط. سعدت أيما سعادة بذلك الترحاب والبشاشة التي استقبلني بهما رصفاء المهنة بذلك المعهد وعلى رأسهم الأستاذ/ عبد العزيز البكر مدير المعهد يومذاك رغم حداثة تعاملي وتعليمي الكفيف رسم الحرف ونطق الكلمة شعرت وسعدت أني بجانب هذا كنت أؤدي واجباً إنسانياً سامياً حتى صرت صديقاً حميماً لأخواني الذين فقدوا نعمة البصر وكنت أرافقهم عند مغادرتهم للمعهد وأحياناً أنعم بزيارات بعضهم في ديارهم. ومما سرني تلك الرعاية الباذخة والاهتمام المتواصل الذي توليه حكومة خادم الحرمين الشريفين يومذاك الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود -طيب الله ثراه- فقد يسرت لهم الدولة حياة ومعاشاً رغداً كما تعمقت الثقة والطموح والتفاؤل في قلوب تلك الفئة المعاقة بأن فتحت لهم كل نوافذ العمل المناسب، ومما زاد من أملهم الأخضر أن تم تعيين الشيخ عبد الله الغانم وهو كفيف مديراً للتعليم الخاص بالمملكة العربية السعودية. كانت الدولة يومذاك تسعى بكل جهدها لبذر بذور الثقة والاعتماد على النفس بين أفراد تلك الفئة وبهذا النهج التربوي الإنساني انخرط كثير من خريجي ذلك المعهد في مجال العمل العام فتوفر لهم عيشاً كريماً. ومما ضاعف من سرورنا هي تلك الزيارة الكريمة السامية التي قام بها للمعهد الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود عليه رحمة الله في عام 1971م. فكان لتلك الزيارة وقعاً طيباً في نفوس تلك الفئة معاقة البصر. وعند زيارتي هذه الأيام للملكة ألاحظ مزيداً من الرعاية الكريمة الساميمن خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود حفظه الله لجميع فئات المعاقين يحث الدولة والمنظمات الإنسانية لتقدم لهم كل سبل الحياة والعيش الكريم، وتفسح لهم المجال للعمل في وظائف تناسبهم وتتوافق مع ظروفهم الصحية. والله الموفق،،،