وصفت الأستاذة "حصة بنت عبدالله بن صالح آل الشيخ" -المشرفة التربوية لمعاهد التربية الخاصة بوزارة التربية والمشرفة على برنامج التدريب المهني لذوي العوق بمؤسسة التدريب المهني سابقاً، وأمين عام جائزة الشيخ محمد بن صالح بن سلطان للتفوق العلمي والإبداع في التربية الخاصة حالياً - ما يمنحه الملك القائد عبدالله بن عبدالعزيز -حفظه الله- للمرأة السعودية من "ثقة" بأنه "فجر جديد" لها سيمكنها من المشاركة الإيجابية في المجتمع، وخدمة الوطن في شتى المجالات التي تستطيع فيها العمل والعطاء. وقالت في حديث ل"الرياض" إن دخول المرأة لمجلس الشورى يعد أحد أهم تلك القفزات، مؤكدة على أن أمهات المؤمنين كن شركاء في القرار وأهلاً للثقة وعالمات في الأمة، مشددة في هذا الصدد على أن المرأة السعودية كانت ومازالت وستظل تقتدي بأمهات المؤمنين، وستسعى للعمل والمشاركة وفق الضوابط الشرعية. وتناولت "حصة آل الشيخ" -الحاصلة على بكالوريوس خدمة اجتماعية- تجربتها الطويلة في العمل التطوعي والخيري خصوصاً في مجال التربية الخاصة، وإسهاماتها العديدة في هذا المجال، مؤكدة على أن مجتمعنا يحفل بالكثير من النماذج المشرفة من السيدات المتطوعات من بنات هذا الوطن، مشيرة إلى أن تجربتها مع الكفيفات علمتها الصبر والإصرار والنظر للحياة بعين الرضا وروح الأمل، وفيما يلي نص الحوار: الصبر والإصرار * بدايةً.. امضيت ثلاثين عاماً في مجال التربية الخاصة، والسؤال: كيف دخلتي هذا المجال؟، وماذا أضاف لك العمل مع الكفيفات؟ - خلال دراستي الجامعية، وأثناء التدريب الميداني كانت بدايتي مع ذوي الاحتياجات الخاصة وبقربي منهم، شعرت خلال زياراتي للمعهد بارتباط وثيق مع الكفيفات، ولمست في نفسي ميلاً نحوهن، وكنت أتواصل معهن بسهولة وأريحية، وألمس منهن بسهولة وأريحية الشئ ذاته، فكانت هذه البذرة هي ما دفعني لاختيار العمل في المعهد كمشرفة اجتماعية، ومنذ بدأت العمل معهن وجدت أن ذلك الشعور المبدئي أصبح واقعاً ألمسه كل يوم يضمني فيه ذلك المعهد معهن، وكنت أشعر أني معهن وبينهن جزءاً منهن، أخت ولست مشرفة اجتماعية. أما أهم ما أضفنه لي فهو الإيمان بأن الصبر والإصرار هو السبيل إلى النجاح، وأن لا شيء مستحيل بالاتكال على الله، والعمل الدؤوب نحو تحقيقه، وكنت أراهن أمامي وقد حُرمن من نعمة البصر، وكن حريصات على طلب العلم، ويحضرن للمعهد من أماكن بعيدة ويتكبدن المشاق ويتحدين الصعاب، يتغرب بعضهن عن أهلهن ويتحملن كل ذلك وينظرن للحياة بعين الرضا وروح الأمل. انضمام المرأة لعضوية «الشورى» يعكس قيمتها ومكانتها في مجتمعها ودورها المسؤول في تنميته العمل الميداني * ماهي أهم البصمات والمكتسبات التي حققتيها من خلال عملك في الميدان؟ - مهما تكن التجربة العمل في الميدان غنية؛ فهي تظل أداء للواجب ولا يحق لنا أن ندعي فضلاً فيها، بل كان لنا شرف العمل في خدمة فئة غالية اخترنا العمل معها ولها، وأداء واجب نحو وطن معطاء قدم لنا الكثير، لذا أقول: إن كل عمل أديناه خلال هذه السنوات لا يتعدى كونه واجباً، ولكننا نعتز ونسعد بمكتسبات منها علاقات ود ومحبة ربطتنا بعدد كبير من ذوي الاحتياجات الخاصة بنين وبنات، وظلت مستمرة لسنوات ومعها علاقات ثقة وتعاون بأسرهم وذويهم، وسعدت كثيراً بأن ربطني ميدان العمل التربوي، وأضافوا لي الكثير، وأتمنى أن يكون لي في ذاكرتهم أثر طيب. وإن كانت هنالك بصمات فهي جائزة الشيخ محمد بن صالح من سلطان للتفوق العلمي والإبداع في التربية الخاصة، والتي تحتفل كل عام بتكريمها لطلاب وطالبات التربية الخاصة، والذين أبدعوا بمواهبهم، كما تدعم من خلال سنابلها الخيرية ذوي الاحتياجات الخاصة محدودي الدخل وترعى برامج وأنشطة وفعاليات موجهة للتربية الخاصة. وكان لبداياتي مع الكفيفات وقوة ارتباطي بهن دور في ميلاده مشروع أعتز كثيراً بوجوده على أرض الواقع، وهو مشروع طباعة شروح القطع والمعروضات الأثرية في المتحف الوطني بطريقة برايل للمكفوفين، ذلك المشروع الذي طرحته فكرة ومن ثم وقفت على تنفيذه بتعاون رائع من الزميلات المعلمات الكفيفات اللاتي قمن بتحويل المشروع إلى طريقة برايل، ومن ثم وثق واعتمد من قبل إدارة المتحف الوطني، وهذا العمل نتاج تعاون مثمر بين وزارة التربية والتعليم وإدارة المتحف الوطني. ومن الانجازات التي اعتز بها خلال فترة عملي القصيرة في المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني، تبرعي بإنشاء قسم خاص بالمراجع والدوريات والمواد السمعية والبصرية والبحوث المتعلقة بذوي العوق والتربية الخاصة، وذلك في مكتبة المعهد العالي التقني للبنات بالرياض التابع للمؤسسة، وكذلك إعداد دراسة علمية لتقييم واقع برامج تدريب ذوي الاعاقة في المؤسسة وإمكانية تطويرها وتم رفعها مع توصياتها لقيادات المؤسسة. دليل المرشد * ساهمتي في إصدار دليل المرشد لخدمة ذوي الاحتياجات الخاصة.. حدثينا عنه؟ - هذا الدليل هو إنتاج مشترك بيني وبين الزميل بدر البهلال وهو معلم تربية خاصة، وحاولنا من خلاله أن نضع بين يدي ذوي الاحتياجات الخاصة وأسرهم والمهتمين بهم دليلاً لكل الخدمات المهمة لهم ومزودي تلك الخدمات؛ بهدف تسهيل الوصول إليها، وهذا الدليل بالمناسبة هو مساهمة من المساهمات العديدة التي تقدمها التربية الخاصة سنابل جائزة الشيخ محمد بن صالح بن سلطان للتفوق العلمي والإبداع في التربية الخاصة، حيث ساهمت الجائزة برعاية طباعة هذا الدليل وتوزيعه. أما ما يخص الإصدارات الأخرى فمنها كتاب أربعون عاماً من مسيرة التربية الخاصة والذي كان تزامن مع مرور أربعين عاماً على نشأة معاهد التربية الخاصة بالمملكة، كما أصدرت قبله كتيب نافذة على التربية الخاصة في عام 1418ه، إضافة إلى دليل الخدمة الاجتماعية في التربية الخاصة. مجتمعنا مليء بنماذج مشرّفة من المتطوعات.. ومع الكفيفات تعلمت الصبر والإصرار قبل أن أعلمهن المرأة ومجلس الشورى * كيف تقرأين التوجيهات الملكية الكريمة المتعلقة بإتاحة الفرصة للمرأة للانضمام كعضو فاعل في مجلس الشورى؟ - إن ما يمنحه هذا القائد للمرأه من ثقة وحقوق وأمانٍ هو فجر جديد يضمن لها المشاركة الإيجابية في المجتمع.. يمنحها فرصا أكبر لخدمة الوطن والوفاء له، ولعل دخولها مجلس الشورى أحد أهم تلك القفزات. ألم يكن أمهات المؤمنين شركاء في القرار؟، وأهلاً للثقة؟، وحافظات للسنة وعالمات في الأمة؟. والمرأة السعودية كانت وستظل تقتدي بأمهات المؤمنين وتسعى للعمل والمشاركة في ظل تلك الضوابط الشرعية التي سارت عليها الصحابيات والتابعيات؛ فوضعن أمامنا في التاريخ بصمة ظلت شاهداً على أن الضوابط الشرعية المتأصلة ليست عائقاً للتقدم والعمل والنجاح، ولكنها على العكس صمام الأمان الذي يحفظ للمرأة كرامتها ويضمن لها أمانها وحقوقها؛ فهنيأ للمرأة السعودية هذا القائد الذي يمد يده ليأخذ بيدها على طريق الخير والبناء، وباليد الأخرى يدفع عنها كل يد عابثة تود المساس بثوابت وأعراف مجتمعها الاسلامي المحافظ. جائزة إبن سلطان * مرت ثماني سنوات من البذل والعطاء في خدمة ذوي العوق في جائزة الشيخ محمد بن صالح بن سلطان، والسؤال: كيف ترين هذه التجربة؟ - من يدخل مجال العمل التطوعي أو الخيري يأتي ونصب عينيه أنه يسير في درب ذي اتجاه واحد كالنهر يتدفق في اتجاه لا يغيره.. والعمل الخيري هو نهر للعطاء ويسير بالعاملين فيه نحو خدمة غيرهم والعطاء لهم، ولكن بينما يسير بنا هذا المركب لا ننكر انه تمر بنا مشاهد تخلب الأبصار، وتنعش القلوب فتبعث فيها السعادة وتضيء دروب حياتنا وتمنح للحياة قيمة أسمى، وهل هنالك أجمل من دعوة صادقة من قلب فُرج همه بعطاء خير؟، أو ابتسامة على محيا أصم لا يملك صوتاً يسمعنا به شكره على سماعة مكنته من تحسس صوت الأذان.. ليردد قلبه معه الله اكبر.. الله أكبر؟، أو كلمات شكر معبرة وبليغة تسابقها عبرات الامتنان والفرح من كفيف أسعد قلبه بحاسب آلي ناطق فتح له آفاقاً واسعة وعالماً مظلماً تحول إلى نور وعلم يضيء حياته؟، أو دمعة على خد معاق حركياً فرحاً بذلك الكرسي الذي اغناه عن الحاجة للغير وكان كجناحين يحلق بهما في فضائه الخاص؟، أو دعوة صادقة من قلب أم حنون امتلأ قلبها سعادة لتعلمها نظام برايل فأصبحت قادرة على التواصل مع ابنها بلغته المكتوبة التي يتقنها؟.. تستطيع أن تكتب له بطاقة تهنئة وأن تسجل له ذكرى جميلة. سر النجاح *عطاؤك المتنوع بين عمل حكومي وآخر خيري وتطوعي خلفه بلا شك عوامل عدة أسهمت في نجاحه، فما هي؟ - التكامل والتعاون هو سبب النجاح، ولو نظرنا لسنة الله في الحياة لوجدنا أن كل أمر أو عمل لا يمكن أن يقوم على فرد دون جماعة، ونحن البشر لا يمكن أن نحقق أي إنجاز فردي، ومن يدعي ذلك فهو منكر لحقيقة لا يمكن أن يثبت عكسها.. كل منا بحاجة لمن يتعاون معه ويساهم معه في النجاح، وتلك المساهمة قد تأتي بصور ودرجات مختلفة، والأمر بالنسبة للمرأة أهم وأكبر؛ فالمرأة وإن أدت في مجتمعها أدواراً مختلفة خارج المنزل؛ فإنها تظل قائمة بدورها الأكبر داخله، وهذا يحتاج منها التنسيق بين الأمرين، وذلك يتطلب وجود عوامل عدة لعل أهمها تعاون ومساندة أسرتها داخل المنزل وتعاون وتكامل أفراد العمل خارجه. ولقد حظيت خلال مسيرتي المهنية والتطوعية بعدد من الزملاء والزميلات ممن كانوا مشاركين في عديد من النجاحات والإنجازات، وكان لهم تأثير مهم في مسيرتي المهنية، ويظل الدور الأكبر والأهم هو لأفراد أسرتي الذين كانوا داعمين لي خلال هذه المسيرة، وسبب في نجاحاتي داخل المنزل وخارجه، ولعل أهم وأول المساندين لي هو زوجي الذي كان رفيق دربي وخطيت أولى خطواتي في حياتي المهنية والأسرية، وأنا ممسكة بيده التي ثبتت خطواتي على أرض صلبة، واستفدت كثيراً من خبرته ومشورته، وأتمنى من كل زوجين أن يكون كل منهما داعماً ورفيقاً بمعنى الكلمة لنصفه الآخر، وهذا هو سبيل نجاح المجتمع.