معظم الأطباء السعوديين الذين تعاملت معهم وجدتهم يبرزون صورة مشرفة لقدرة إنسان هذا البلد على العطاء المتميز عندما تتاح له فرصة التعليم والتدريب والبيئة المحفزة. فمن المعروف ان من يتخصصون في دراسة الطب في جامعاتنا السعودية هم في الغالب صفوة الطلبة المتفوقين في مرحلة التعليم العام، ومن المعروف أيضا أن كليات الطب في جامعاتنا الرئيسية لازالت متمسكة بالمعايير العالية لتدريس مهنة الطب ولا تقبل إلا المتميزين من الطلبة. كما أن طلبة الطب يحصلون على تدريب جيد اثناء دراستهم وبعد تخرجهم مباشرة أثناء فترة الامتياز ويستمرون في تنمية مهاراتهم على امتداد ممارسة المهنة، بالإضافة إلى ما يحصلون عليه من درجات علمية عليا عندما يختارون مواصلة دراستهم في تخصصات فرعية. كما أن الطلبة الذين يتم ابتعاثهم حالياً للخارج لدراسة الطب من خلال برنامج خادم الحرمين الشريفين يُختارون وفق شروط دقيقة ويدرسون في جامعات مرموقة. أما بيئة العمل، فمن الملاحظ أن المستشفيات الرئيسية الكبرى وبعض المستشفيات الأخرى تتوفر فيها أحدث المعدات الطبية، وتقام فيها الندوات والمؤتمرات. لكن للأسف، هذه البيئة المثالية ليست موجودة في جميع مستشفيات المملكة، بل إن مجرد فرصة الحصول على سرير لمريض محتاج في المستشفيات الحكومية الكبرى المتميزة تكون في بعض الأحيان في منتهى الصعوية، لكن ذلك ليس ذنب الأطباء وإنما هو من المشكلات الإدارية والتخطيطية التي يتمنى الأطباء قبل غيرهم أن تزول لأنها تضع عليهم ضغوطاً لا قِبَلَ لهم بها. لقد سَلِمتْ كليات الطب في الجامعات الرئيسية في بلادنا من معظم المشكلات التي يعاني منها التعليم العالي في بعض الكليات الأخرى. وهذا لا يعني ان تلك الكليات لا تواجه مشكلات وجوانب قصور، ويكفي ان تستمع إلى ما يتحدث به بعض طلبة كليات الطب أو الأساتذة لتعرف أن بيننا وبين الكمال مسافات طويلة. لكن الحقيقة هي أن معايير القبول والمستويات المطلوبة للطلبة المتقدمين للدراسة، وكذلك الحزم المطبق، في كليات الطب في جامعاتنا السعودية الرئيسية جعل الكثير من خريجيها اكثر تميزاً من خريجي كليات الطب في العديد من الدول العربية والأجنبية، وهذا ليس ادعاءً ولكنه حقيقة نسمعها على ألسنة أطباء محترمين من جنسيات كثيرة تعمل في مستشفيات السعودية. كل ما أتمناه هو أن تحافظ كليات الطب في الجامعات الجديدة الناشئة على السمعة المتميزة لكليات الطب السعودية، وألا تتراخى في معايير القبول. كما أتمنى أن لا تتورط تلك الجامعات في ارتجال قرارات بإنشاء كليات للطب إذا كانت غير مهيأة لذلك، فكليات الطب ليست مجرد قاعات للدراسة فقط وإنما هي أيضا تجهيزات طبية متقدمة ومستشفيات تعليمية ومناهج تواكب أحدث المستجدات في عالم الطب والعلوم وأساتذة متميزون في التخصصات الطبية المختلفة. شكراً لأطبائنا السعوديين، فنحن فخورون بكم، وأنتم تثبتون أن الإنسان في هذا البلد قادر على تقديم أعلى مستويات الإنجاز إذا حصل على التعليم والتدريب الجيدين ونال من التحفيز ما يرفع من معنوياته ويقدر جهده؛ ونحن نتمنى أن تحصلوا على المزيد من التحفيز المادي والمعنوي وتقدير الجهد.