للدم حضوره الطاغي، الذي تصغر أمامه الحسابات والقياسات، خصوصاً إذا كانت هذه الدماء لجنود بواسل بذلوها سخية في مواجهة قوى الإرهاب والظلام، وإذا كانت «يد القوة»، ممثلة في جيش مصر وأجهزتها الأمنية قادرة على حسم تلك المواجهة، مهما بلغت التضحيات، فإن «يد البناء والتنمية» تشكل الجناح الآخر الذي لا غنى عنه في تلك المعركة، إذ أنه بمقدار ما تمضي مصر قدماً في «معركة البناء والتنمية»، فإن عصابات الإرهاب تزداد ضعفاً وجنوناً، في الوقت ذاته. إن مصر إذ تمضي قدماً، وبصلابة، في حربها ضد الإرهاب، فإنها أيضاً تسير بقوة على طريق دفع عجلة الاقتصاد ورفع معدلات النمو والحد من الفقر والبطالة، فإذا كان الفقر والجهل والبطالة هم البيئة المولدة والحاضنة للإرهاب، والفوضى والخراب والتدمير هدفه وغايته، فإن سيادة دولة القانون تجهض أهدافه، ونجاح خطط التنمية والتشغيل ونشر الوعي وقيم التسامح والاعتدال يجفف منابعه، وعلى درب هذين المسارين تمضي مصر راسخة الخطى. فرغم كل العراقيل والمؤامرات التي نسجها داعمو عصابات الإرهاب وممولوه، في الخارج والداخل، منذ ثورة 30 يونيو، إلا أن مصر نجحت في استعادة الأمن والاستقرار، وهو ما يلمسه المواطن المصري والسائح الأجنبي على حد سواء، وتعكسه أيضاً إلغاء معظم تحذيرات السفر لمصر، واستعادة السياحة لجزء كبير من عافيتها، كما عادت عجلة الإنتاج للعمل بكل قوة، وعاودت الاستثمارات الأجنبية تدفقها من جديد. وبلغة الأرقام، فقد شهد الربع الأخير من العام المالي 2013 - 2014، ارتفاع معدل النمو إلى 3.7 %، مقابل 2.5% خلال الربع الثالث، و1.4 % خلال الربع الثاني، كما ارتفع حجم الناتج المحلي الإجمالي خلال العام المالي 2013-2014 إلى 2 تريليون جنيه مقابل 1.8 تريليون جنيه في العام السابق بزيادة نحو 14 %. ونمت الاستثمارات الكلية بمعدل 12.9 % لتبلغ 280.6 مليار جنيه، بعدما سجلت تراجعا بنسبة 3.7 % خلال العام المالي 2012-2013، مما يعكس تحسن مناخ الاستثمار وعودة الثقة في الاقتصاد المصري، وهو ما أكدته مؤسسات التصنيف الاقتصادي الدولية، وآخرها وكالة «موديز»، التي عدلت نظرتها للاقتصاد المصري من «سلبي» إلى «مستقر»، كما تبنى صندوق النقد الدولي تقديرات مماثلة، مؤكداً أن «الاقتصاد المصري اليوم أصبح في وضع أقوى عما كان عليه قبل عام». بالطبع هناك تحديات عديدة وصعبة تواجه الاقتصاد المصري، وهو ما تدركه الحكومة المصرية وتمضي قدماً في مواجهته، متسلحة في ذلك بدعم وثقة الشعب المصري، الذي نجح خلال 8 أيام فقط في جمع 64 مليار جنيه لتمويل مشروع «قناة السويس الجديدة»، وإذا كانت تلك الملحمة الوطنية قد شكلت دليلاً على ثقة الشعب في قيادته وحكومته، فإنها أيضاً برهنت مجدداً على قوة واحترافية الجهاز المصرفي المصري، الذي أنجز 2 مليون عملية مصرفية خلال تلك الفترة القصيرة. إن مصر تراهن، وبقوة، على دعم أشقائها وأصدقائها في المرحلة المقبلة، خاصة بعدما اتضحت ملامح الخريطة الاستثمارية، والتي تشمل طيفاً واسعاً من الفرص الواعدة، مثل مشروع تنمية محور قناة السويس وما يرتبط به من مشروعات عملاقة، ومشروع استصلاح 4 ملايين فدان، وإحياء مشروع توشكى، والخطة الطموحة لإضافة 3200 كيلومتر لشبكة الطرق، وغيرها من المشروعات الواعدة، وفي هذا السياق.. فإن مصر تعول كثيراً على المؤتمر الاقتصادي، المقرر عقده في فبراير المقبل، خاصة أنه نتاج مبادرة كريمة من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، فالجهود المكثفة للإعداد للمؤتمر من قبل المسؤولين في مصر والمملكة، تنبئ بأنه سيشكل انطلاقة قوية للاقتصاد المصري. خلاصة ما أود التأكيد عليه هو أن تلك الجرائم الإرهابية لن تثني المصريين عن المضي قدماً لإنجاز ما تبقى من خارطة الطريق واستكمال جهود الإصلاح الاقتصادي، فعندما تعلو أصوات آلات المصانع، تصمت «غربان الموت والخراب» وتدخل «ذئاب الغدر» لجحورها.. ومصر لن تكون يوماً وطنا للغربان أو مرتعاً للذئاب، وإنما «بلد آمن» بنص القرآن الكريم ووعد المولى القدير.