أصاب دماً في قومه، ففر هارباً والتجأ إلى إحدى القبائل، كما تقضي بذلك الأعراف القبلية، وكان في نفسه شجاعاً مقداماً، وليثاً مغواراً فأخفى وتسمّى باسم (غفيصة)، وليبتعد عن مضارب القبيلة التي لجأ إليها نهاراً لئلا يشاهده ضيف مارٌ بهم فيعرفه. صار يرافق رعاة الإبل والغنم ليتسلى من جهة ويصد من جهة أخرى من يبحث عنه ليقتص منه، وإمعاناً في التخفي صار لا يهتم بمظهره إطلاقاً، وكان الرعاة للأنعام خليطا من الفتيان والفتيات، ومن بين الفتيان فتى وسيم جميل المظهر وله عشيقة من ضمن الفتيات الراعيات ومتسلحاً ببندقية على قلة وجودها في أيدي الناس ذلك الوقت - وكان أكثر ما يرغّب الفتاة بفتى أحلامها هو شجاعته أو كرمه فإذا ظهر بمظهر يخالف هاتين الخصلتين نفرت عنه بإباء ولو كان لها منه أولاد. وكان مارق بن عروج بالإضافة إلى مظهره الزري يسفه نفسه، وعلى هذا فليس له اعتبار لدى هؤلاء القوم. وفي أحد الأيام قالت له الفتاة المعجبة بالفتى الوسيم: رد الغنم يا عوج ساق، استخفافاً به وفي إحدى المرات هاجم غزو هذه المواشي واستاقها وفي هذا الظرف الحرج هرب الوسيم واستنقذ مارق الأنعام المنهوبة منهم عنوة، وقتل عدداً منهم وكسب عدداً من ركابهم، وأسر عدداً آخر من الغزاة، وانهزم المغيرون فتغيرت نظرة الناس إلى مارق بعد موقفه هذا، وصار له قيمة كبيرة وقال مارق هذه الأبيات: يا بنت يا اللي غرّها زين عشّاق وراه ما فكك ولو كان به زين تقول رد الضّان يا عيوج السّاق وانا حلى مسلوعات السراحين يا ما ثنيت الساق من فوق الأوساق عسّاس بدوٍ عقب الامحال منحين يا ما ركزت الساق مع درب الأسراق اهوش دون الّربع والّربع مقفين ويا ما حميت ببندقي كل مشفاق ودّيته أمه والطّلب فيه مشفين وكم هجمةٍ يطرب لها كل مشتاق شلعتها بالليل والناس نايمين غديت لي في ظلمة الليل بنياق أخطأ طلبها باسمر الليل غادين ** ** ** (*) من آدابنا الشعبية في الجزيرة العربية - تأليف: منديل الفهيد ** ** ** 1 - آل عروج: هم بيت الشيخة للفضول إحدى عشائر بني لام التي تتكون من ثلاث عشاير هم: (أ) آل مغيره. (ب) آل كثير. (ج) الفضول.