وجدت في الابحار في كتب الرحالة، والسير، والأمالي, والمؤانسة, والأدب, ما يبعد كثيرا عن غوغاء العصر..،! فالإبحار مع المكتشفين..، قدامى ومعاصرين..، في آفاق الأرض..،والبحور..، والفضاء..، ودارسي الحضارات..، ومتتبعي أواصر العلاقات البشرية على امتداد المسافات الموغلة في اتجاهات البحور..، ومنثور الجزر..، وأقاصي الشواطئ..ومختلف الكواكب..، والمجرات..، ما يثري المخيلة..، ويغسل فائض التلوث المحيط..، ويطهر من شظايا رميت على النفوس فجرَّحتها..،وهتكت الكثير من عروق فرحها..، وأوردة صفائها.. يبدو أن الإنسان القديم كان مشغولا باكتشافات شغلته عن الصغائر.. أما إنسان الوقت الحاضر فقد ألهته الصغيرات عن الكبيرات في همم المنجز المفرح، والمؤثر برخاء.. قبل يومين استدعانا السيد «جوجل» لأن نعاود الإبحار مع (ثور هايردال) المستكشف النرويجي عالم الآثار الذي درس حضارات الجزر النائية في المحيط الهادي على قارب خشبي, ليتعرف جذور العلاقات الإنسانية حيث توجد رمز لها في المحيط..، ومن ثم امتدت همة روحه إلى العالم كله..،ليصل للحضارة السومرية، وحضارة وادي النيل، وعرب الأهوار..فوُسِم «رجل العالم» الذي جاب الأرض من المحيط، للمحيط..وربط الإنسان بالإنسان فيما تشابه وتقارب وتجذر..!! هكذا قرأنا له, وعنه، وعرفناه، بمثل ما وقفنا على منجزات غيره فتعرفنا آمادا من الكون الملموس..، والمتخيل،.. تعرفنا الكثير الفائض الثري عن آثار الرحالة المكتشفين في شتى أصقاع العالم بين البشر من عربهم لعجمهم،..فوجدنا فيما دونوه ما يزيل وحشة عمت, ويأسا يخاتل.. فكل أولئك الذين غنوا على تخوم القوارب..، وتماهوا مغ غروب شموس البحار، والجليد، والصحراء، والأودية, والمرتفعات, والمنخفضات..، وحدثوا عن الصيف، والخريف, والربيع، وساءلوا القمر, وتتبعوا النجوم..، وطاروا وراء الخيالات، والآثار الفارة، وتلك المنحوتة..، وتغلغل حداؤهم لجدر الصدور وأعماق النبض..وأجابوا عن الأسئلة..، وجمعوا البراهين,وأماطوا اللثم عن الحيرة.. كتبوا الخطوات بالماء..،والعرق..، والهلع..، والتوجس..، عاشوا فرح الاكتشاف، ودونوا ما إن قرأه قارئ تماهى في انتقالاته من الأرض اليابسة التي تتحجر فوقها أفكاره مع ما دونوه، وصب به على تحجره سمنا، وعسلا..وماء..، و من الفضاءات الراحلة ما حلق به بمخيلته, ومشاعره، وأحلامه فتثرى... أولئك فيهم العرب الرحل الذين جابوا الصحراء، ونزلوا مرابع القبائل جمعوا شتات كلمات..، وتركيبة صياغات..، وطيوف دلالات..، وبلاغلات صور..، وكثير عِبرٍ..، شعرا ونثرا,.. كل أولئك الذين شُغلوا بالإنجاز رسل فرح للبشرية..،وبنَّاؤا سلام للعروق... وجدر الصدور والعقول.. أما الآن فالهادمون الحضارات يتسيدون..،يدكون الصدور بظلام ما يفعلون.. ويهيلون عليها دفقات كآبة..، ويزرعون فيها قاموس قلق..!! إلا القلة الذين ينهجون نهج أولئك في أطراف متناثرة من الأرض..!!