خضرة الشجر ليس فقط لمتعة النظر, وصفرة السنابل ليس فقط لحصاد القمح, وتأمل الطير عن بعد لأواني الحبوب ليس فقط للتوق إليها, ..فكل ظاهر له غايات باطنة..! إذ ليس الإنسان وحده بعقله, وقدرته على الإدراك, والتمييز, والفهم، من خُلق لغاياتٍ.. فلا ذرة في الكون، ولا رجفة للهواء فيه, ولا رائحة للزهر منه, ولا صدى للصوت ضمنه، إلا يحمل غاية.. فطنةُ الكون بما فيه لغاياته، أمرٌ مقدَّرٌ في نواميس الوجود, ليبقى الوجود بمشيئة الواجدِ تعالى.. حتى بقايا أجنحة الطيور النافقة، وأديم الأجساد المتوارية في الثرى، وقطرات المياه المنسربة في عروق الأرض, وبقايا أجساد بحرية، وبرية، وجوية في تلافيف الصخور, على مدى الدهور، هي الدليل الموجِزُ للإنسان لغايات الكون، والملهمةُ له متعةَ البحثِ في هذه الغايات.. إن التأمل في غايات كل حركة، وفي أي اندثار, واختباء, وإظهار, وإخفاء, وعلن في مساحات يتحرك فيها الإنسان، وأخرى يبلغها بفكره، وحسه، وقدميه، سوف تشرع له أشواقاً عليا, وواسعة، وضاجة بالرغبات في السعي للتعرُّف، والاكتشاف، والمبادرات.. هناك على مدى مسيرة حضارات الأمم، ومع قوافل الباحثين، والمكتشفين، والرحل الذين لا تنثني هممهم، ولا تثبط أشواقهم, ولا تتقاعس طموحاتهم، ما أسفرت به، وتسفر منتجاتُهم من المعارف, والعلوم، والفنون، والآداب في تراث البشرية، مما يمدُّ، ومما سيمدُّ، وقبلاً قد أمدَّ بأسفار من الموروث العلمي، والأدبي، والفكري, والفني.. في جميع مجالات حركة الغايات..!!.. وإلى اللحظة، كلما جلسنا لبرامج الوثائق العلمية، والجغرافية، والتاريخية، مكتوبةً فمقروءة، ومرئية فمشاهدة ، ومسموعة فمستوعبة، شعرنا بمتعة مثرية لدواخلنا ما بعدها متعة، ووقفنا عنها على غايات بديعة وصلت بها مكنونات الأرض، والسماء، بما فيهما بشراً، وحجراً، وبحراً، وبراً, وجواً، ومجرات, وسديماً, وسحباً، وإنساناً، وحيواناً، وكواكب، وأدغالاً، وزواحف، وشموساً وأقماراً..! وفي كل ما تعرفنا، ووقفنا عليه في همهمات الريح، وقرقعة الرعود، ووشوشات الشجر، وسدم الفضاء, ونجوى البشر, وجزر البحر، ومد الثرى..و...........و كل مكنون إنها متعة منتِجة، مُثرية هي التأمل في غايات خلق الله في كونه، وإنها هي الدافع للإنجاز، اتسعت به الدائرة، أو تقلّصت .. لأنّ في هذا صقل لمقدرات الفرد.., ودعوة لإنهاض هممه.. فليت التفكر في وضع الدارسين على طريق التأمل الخلاق، والمحكات المحفزة، ليكون غاية التعليم الأولى.. فلا يدرس طالب العلم ما يتبخّر حال طيّه للكتاب.. فتحريض الأشواق فيه لغايات استخراج مكنونه من القدرات, في تأمل مكنون المخلوقات، لهي غاية إنسانية مهمة ضمن غايات الكون بما فيه..!! فلا يخرج الدارس المتلقي لجملة من موضوعات المعرفة من مؤسسات التعليم وهو ليس جزءاً منها، ليته لا يخرج منها بعد أن يكون قد أمضى في التعليم ردحاً من الزمن إلا بوثيقة فك الحرف, وقليل مما يعلمون..! فتلك معضلة .. ليته يخرج هو متوقداً بهمة كبرى، وأشواق عليا نحو إعمال مكنونه في البحث فيما يحيط به من الغايات الظاهرة .. والخفية تلك.. فالغوص في غايات الكون, ومكنوناته، بما فيها المنتج الفكري للإنسان, والحرفي، والعلمي، سبيل للارتقاء بميزان الخبرات كسباً، ومن ثم عطاءً..!! وتعطي قيمة للحياة، واطمئناناً في نتائجها.. عنوان المراسلة: الرياض 11683 **** ص.ب 93855