بحسب صحيفة الجارديان البريطانية التشكيلي السوداني إبراهيم الصلحي «80» عاما، الذي شغل في سبعينيات القرن الماضي، منصب وكيل وزارة الثقافة، وجد نفسه مسجونا دون محاكمة، أو تهمة، وصف تلك التجربة ب»المروعة جدا»، ولكنه استدرك بأنه استفاد منها كثيرا. قال الصلحي «على الرغم من أن الحبس الانفرادي كان عقوبة مَنْ يُقبض عليه متلبسا بحيازة ورقة؛ إلا أنني واصلت الرسم على قصاصات ورقية، كنت أخفيها بالدفن». حين قرأت هذا الخبر انتابني شيء من الصمت الفكري في حياة هذا الفنان الذي جعل من القيود والاعتقال محفزا قويا لمنجزاته الفنية لأذهب بتأملاتي إلى التعمق بجدلية القيود، تلك القيود التي قتلت وسحقت الكثير من المبدعين بجميع توجهاتهم، منهم القمعيون وما هي نمطية التفكير لديهم، حين ينتج أي إنسان، ذكرا كان أم أنثى منتجا إبداعيا، وأركز على إبداعي، كون المبدعين هم أكثر الضحايا، لكونهم أتوا بالجديد، فيضعه أولئك بموضع الضد كونهم متقوقعين على ذاتهم يحيون داخل واقع افتراضي تكون أبعاد مقاييسه أطراف ظلالهم فيعكس لنا نزعاتهم الداخلية بينهم وبين انبعاجاتهم الرجعية، لا يقبلون من الآخر قيد أنملة وهذا الانغلاق الداخلي والاضطراب السيكولوجي يخرج على المحيط الخارجي أي المجتمع الذي يتسيدون عليه فتكون ردود أفعالهم غريبة وإقصائية، مما ينتج عنها همجية صارخة فيكون في الغالب ضحاياهم هذا الفنان إبراهيم الصالحي كنموذج أو ذلك المفكر أو هذا الكاتب أو أولئك الأدباء إذن هي جدلية القيود والفن والفنان الحقيقي دائما في صراع مع الاستبداد الذي يخلق فنا لا جوهريا ولو انغمسنا بماهية الفن كعمق فكري فلسفي لخرجنا بخلاصة أن الفن يحيا بفضاء لا متناه، تجعل منه القيود شيئا آخر لربما يكون شكلا دون مضمون، والمضمون هنا بمثابة الروح التي تم تقييدها وفي كثير من الأحيان تم اغتيالها، بعد هذا الاستطراد عن جدلية القيود والفن تبقى اللوحة التشكيلية شاهدا على حقبة يمر بها المجتمع فتعكس لنا تعاطي المحيط الذي ينتمي إليها بأمور الحياة، سواء أكانت اقتصادية أو انتماء للدين والمعتقد أو الفلسفة بالسلم والحرب.