تسارعت الأحداث في الساحة اليمنية بشكل دراماتيكي، لم يكن أحد يتوقعه؛ إذ تمكنت جماعة «الحوثيين» من السيطرة على العاصمة صنعاء في زمن قياسي، وسقطت بأيدي مسلحيها الكثير من المعسكرات والمؤسسات الحكومية المهمة. فيما أعلنت العديد من المؤسسات العسكرية والمدنية تأييدها وانضمامها للجماعة في إطار ما بات يطلق عليه «الثورة الشعبية». ويسود مدينة صنعاء هدوء حذر، في وقت عمد فيه الحوثيون إلى إقامة نقاط أمنية في معظم أحياء وشوارع المدينة وعند مداخلها. ومع أن أوساطاً شعبية يمنية قد أعلنت تأييدها لجماعة الحوثيين، وشاركت في اعتصاماتهم ومسيراتهم، رغم أنها لا تنتمي إلى هذه الجماعة، فإن تلك الأوساط تعتبر أن موقفها هذا لا يعني «حبها» للحوثيين، وإنما جاء بدافع كراهيتها لجماعة «الإخوان». - تسارع الأحداث: يرى بعض المحللين السياسيين والمهتمين بالشأن اليمني أن التطورات الدراماتيكية المتسارعة التي شهدتها اليمن تعد امتداداً للأحداث التي بدأت في العام 2011م، عندما قاد حزب الإصلاح «إخوان اليمن» تظاهرات احتجاجية ضد نظام الرئيس السابق علي عبدالله صالح. وبحسب المراقبين، فإن من العوامل التي ساعدت الحوثيين على تحقيق ما وصلوا إليه الآن أن حزب الإصلاح وحلفاءه كانوا قد مهدوا الطرق أمام هذه الجماعة في العام 2011م، وكان للتظاهرات والاعتصامات التي شهدها هذا البلد حينها دور في توفير الأرضية المناسبة لجماعة الحوثيين في التمدد والانتشار على نطاق واسع في العديد من المدن والمحافظات اليمنية، من خلال مشاركة أتباعهم، وحضورهم القوي والمؤثر في تلك التظاهرات والاعتصامات التي يمكن القول إنها مثلت محطة انطلاق نحو ما وصلوا إليه اليوم. ويرى البعض الآخر من المراقبين أن فشل حكومة الوفاق الوطني التي تشكلت مطلع العام 2012م بموجب اتفاق التسوية في إدارة شؤون البلاد، ومعالجة آثار أزمة العام 2011م، وانطلاق بعض الأطراف المشاركة فيها فيما يتعلق بأدائها من أسس ومعايير حزبية بحتة، والعمل وفق مصالحها الحزبية، بما في ذلك ممارسات الإقصاء والتهميش في الوظيفة العامة، كل ذلك من العوامل التي أفقدت هذه الحكومة مصداقيتها في أوساط الشارع اليمني؛ ليجد الحوثيون في ذلك فرصة كبيرة لتحقيق أهدافهم. ولعل ما تجدر الإشارة إليه في هذا السياق هو أن المعارك والمواجهات المسلحة، التي خاضها الحوثيون، سواء في العاصمة صنعاء وقبلها محافظة «عمران» وغيرها من المناطق، لم يكن الجيش اليمني طرفاً فيها، ولكن بعض الوحدات العسكرية التي كانت لا تزال تخضع لسيطرة اللواء علي محسن الأحمر وحزب الإصلاح، وكانت هي الطرف الآخر في جميع تلك المواجهات، ومعها المليشيات المسلحة التابعة لحزب الإصلاح. - سقوط المؤسسات: وكان من بين أبرز المعسكرات والمؤسسات الحكومية التي سقطت بأيدي مسلحي جماعة «الحوثيين»، أو تلك التي أعلنت انضمامها إليهم، معسكر الفرقة الأولى مدرع التي يقودها اللواء علي محسن الأحمر المقرب من حزب الإصلاح؛ إذ سيطر الحوثيون على هذا المعسكر بعد معركة طاحنة استمرت نحو يومين، انتهت بسقوطه وفرار اللواء الأحمر واختفائه في مكان مجهول، وكذلك الحال بالنسبة لجامعة الإيمان، التي يرأسها رجل الدين المعروف الشيخ عبدالمجيد الزنداني، إضافة إلى التليفزيون الرسمي ومؤسسات أخرى عدة. في حين أعلنت مؤسسات أخرى من بينها القيادة العامة للقوات المسلحة ودائرة التوجيه المعنوي للقوات المسلحة ومعسكر الإذاعة ورئاسة الوزراء والمؤسسات الحكومية الموجودة في ميدان التحرير وسط العاصمة صنعاء تأييدها للثورة الشعبية. فيما أهابت وزارة الدفاع اليمنية بمنتسبي القوات المسلحة تحمل مسؤولياتهم التاريخية والوطنية. ودعت الوزارة في بيان أصدرته عقب توقيع اتفاق السلم والشراكة الوطنية جميع القوى السياسية والاجتماعية إلى تغليب المصلحة العليا لليمن، والتسامي فوق الجراح. وشدد البيان على التزام ضباط وصف وجنود القوات المسلحة اليمنية بالانضباط العسكري والقوانين العسكرية وواجباتهم الوطنية في الحفاظ على أمن واستقرار الوطن، وفي التصدي لأي عبث أو تخريب.. وأن يتواجدوا في وحداتهم العسكرية، وأن يحافظوا على الممتلكات العامة وعلى موارد وإمكانات وحداتهم والعُهد العسكرية. وفيما أعلن رئيس الوزراء اليمني، محمد سالم باسندوه، استقالته من منصبه، جاء خبر الاستقالة في منشور للناطق الرسمي لجماعة أنصار الله محمد عبدالسلام، في صفحته على شبكة التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، الذي قال: «تواصل بنا رئيس الوزراء محمد سالم باسندوه، وقد أعلن استقالته من الحكومة قبل قليل». غير أن الرئاسة اليمنية نفت على لسان مصدر مسؤول هذه الاستقالة. وعبّر المصدر الرئاسي المسؤول عن استغرابه لما تناولته وسائل الإعلام من أنباء عن استقالة محمد سالم باسندوه من رئاسة حكومة الوفاق الوطني. وقال المصدر: «إن الرئيس عبدربه منصور لم يتسلم أي طلب استقالة، ولم يصل مثل هذا الطلب إلى رئاسة الجمهورية ليتم البت فيه، وفقاً للإجراءات القانونية المعروفة والمتبعة, ولذلك ما زالت الحكومة قائمة برئاسة الأخ محمد سالم باسندوة». وتأخرت مراسيم التوقيع على اتفاق السلام إلى وقت متأخر من مساء الأحد، في حينكان من المفترض أن يتم التوقيع صباحاً. وأرجعت مصادر رسمية ذلك إلى تأخر وصول ممثلي زعيم جماعة الحوثيين عبدالملك الحوثي، المخولين بالتوقيع نيابة عن الجماعة. وأتاح هذا التأخير للحوثيين استكمال السيطرة على العديد من المواقع والمعسكرات المهمة، وفي مقدمتها معسكر الفرقة الأولى مدرع. وجرت مراسيم التوقيع على الاتفاق في دار الرئاسة بصنعاء بحضور الرئيس عبدربه منصور هادي ومساعد الأمين العام للأمم المتحدة ومستشاره الخاص لشؤون اليمن جمال بن عمر وممثلي الأطراف السياسية في اليمن، بمن فيهم جماعة أنصار الله «الحوثيين». واعتبر الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي أن الاتفاق من شأنه أن يؤدي إلى تجاوز المحنة الكبيرة التي كادت تعصف باليمن وأحلام أبنائه. وقال: «لقد غلبنا لغة الحكمة والتعقل والمضي قدماً في بناء اليمن الجديد، يمن الجمهورية والوحدة والديمقراطية والحوار الوطني، يمن التعايش والسلام والمواطنة المتساوية». وأشار الرئيس هادي إلى أن وثيقة الاتفاق تمثل عبوراً نحو تطبيق مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل وتجاوز العقبات والتحديات كافة. في حين ذكرت وكالة الأنباء اليمنية «سبأ» أن قوات الشرطة العسكرية بدأت مساء الأحد بإجراءات استلام المباني الحكومية التي سيطر عليها الحوثيون في العاصمة اليمنية صنعاء.