لا أريد بالصديق ذلك القرين الذي يصحبك كما يصحبك الشيطان: لا خير لك إلا في معاداته ومخالفته، ولا ذلك الرفيق الذي يتصنع لك ويسامحك متى كان فيك طعم العسل ؛ لأن فيه فيه روح ذبابة، ولا ذلك الحبيب الذي يكون لك في هم الحب كأنه وطن جديد وقد نفيت إليه نفي المبعدين، ولا ذلك الصاحب الذي يكون كجلدة الوجه: تحمر وتصفر لأن الصحة والمرض يتعاقبان عليها، فكل أولئك الأصدقاء لا تراهم أبداً إلا على أطراف مصائبك، كأنهم هناك حدود تعرف بها أين تبتدئ المصيبة لا من أين تبتدئ الصداقة. ولكن الصديق هو الذي إذا حضر رأيت كيف تظهر لك نفسك لتتأمل فيها، وإذا غاب أحسست أن جزءاً منك ليس فيك، فسائرك يحن إليه، فإذا أصبح من ماضيك بعد أن كان من حاضرك، وإذا تحول عنك ليصلك بغير المحدود كما وصلك بالمحدود، وإذا مات.. يومئذٍ لا تقول: إنه مات لك ميت، بل مات فيك ميت ؛ ذلك هو الصديق.