ضربة موجعة وجهتها الجهات الأمنية المختصة لعصابات المخدرات بإفشالها تهريب شحنات مخدرات، قُدرت قيمتها ب1.9 مليار ريال، إضافة إلى القبض على 1197 متهماً لتورطهم في جرائم تهريب ونقل واستقبال وترويج المخدرات. عمليات نوعية واستثنائية، تنفذها الجهات الأمنية بنجاح وكفاءة، بمعزل عن الضوضاء المجتمعية والإعلامية. تعايش المجتمع مع تكرار أخبار عمليات الجهات الأمنية الاحترافية ذات العلاقة بتهريب المخدرات حمل أفراده على الاعتقاد بسهولتها؛ وأفقده الاهتمام بالتفكر في انعكاساتها المدمرة على المجتمع، ومخاطرها المحدقة برجال الأمن الذين يفقدون أرواحهم في سبيل حماية الوطن وأبنائه من سموم المخدرات. سلبية المجتمع في التعامل مع قضية المخدرات قد يدفع ثمنها الوطن غالياً. رواج سوق المخدرات المحلية يفسر إصرار عصابات المخدرات على استهداف السوق السعودية، بالرغم من الأخطار المحدقة والضربات الموجعة والخسائر المالية الفادحة التي تتكبدها. يبدو أن الجهود المجتمعية الموازية للعمليات الأمنية لم تصل بعد لحد الكفاءة؛ وهذا يتسبب في زيادة عدد المتعاطين؛ وبالتالي تشجيع المهربين على ضخ مزيد من المخدرات في المجتمع. هناك أخبار مؤلمة عن انتشار المخدرات بين طلاب المراحل الابتدائية، عوضاً عن انتشارها بين طلاب المراحل الأخرى؛ بشكل يعكس التخطيط الاستراتيجي للمروجين واستهدافهم الشريحة الأهم في المجتمع لضمان استمرارية التعاطي؛ وزيادة الطلب على المخدرات بأنواعها. خسارة مليارات الريالات في عمليات تهريب فاشلة ليست بالأمر الهين على عصابات المخدرات؛ ما يجعلنا أكثر توجساً من علاقة المخدرات بأهداف تخريبية موجهة ضد مكونات المجتمع بشرائحه وفئاته المختلفة. لست ممن يؤمنون بعدم وجود الرابط بين جماعات الإرهاب وتهريب المخدرات. أثبتت الدراسات الأمنية الدولية وجود العلاقة الوثيقة بين الإرهاب وتهريب المخدرات، خاصة مع تركيز بعض الجماعات الإرهابية على تجارة المخدرات كمصدر من مصادر التمويل. اتهام السلطات الأمريكية حزب الله اللبناني بتجارة المخدرات وغسل أموالها؛ وتوقيف عدد من أعضاء الحزب؛ وتجميد أرصدتهم؛ وإغلاق المصرف اللبناني الكندي على خلفية عمليات غسل أموال وتمرير أموال المخدرات؛ خير شاهد على العلاقة الوثيقة بين التنظيمات الإرهابية والمخدرات. إغراق مجتمع ما بالمخدرات كفيل بتحويله إلى «مجتمع فاشل» على المدى المتوسط؛ خاصة مع تركيز المروجين على الأطفال والمراهقين؛ لضمان قاعدة الطلب المستدام؛ وإحداث الأثر الأكبر في المجتمع. حجم المخدرات المضبوطة محلياً يشير بوضوح إلى حجم الطلب على المخدرات؛ وبالتالي عدد المتعاطين. الجهود الأمنية المكثفة قادرة - بعون الله - على خفض تدفق المخدرات إلى السوق، وضبط وتفكيك عصابات التهريب والترويج، إلا أنها لا تستطيع معالجة المدمنين، ووقف نمو شريحة المتعاطين في المجتمع، وازدهار السوق. يُفترض أن تتوزع جهود مكافحة المخدرات بين الأدوار الأمنية، المجتمعية والمؤسسية. أعتقد أن الدورين المجتمعي والمؤسسي ما زالا غير قادرَيْن على حماية المجتمع من شرور المخدرات، خاصة في الجانب الاستراتيجي الشمولي. آفة المخدرات من أخطر الآفات على المجتمعات الآمنة؛ ما يجعل أمر مكافحتها من الأولويات المفروضة على الجميع دون استثناء. الأسرة هي المؤسسة الصغيرة المسؤولة عن رعاية أبنائها وحمايتهم من سموم المخدرات، في الوقت الذي تكون فيه المدرسة مسؤولة عن الطلاب وحمايتهم من الأخطار المحيطة. مؤسسات المجتمع المدني (المساجد، الخطباء والإعلام) مسؤولون أمام الله عن تثقيف المجتمع، ومحاربة المخدرات بالموعظة الحسنة، والمتابعة، والتثقيف. أما الحكومة فهي مسؤولة عن توفير متطلبات العيش الكريم، وفرص العمل، والارتقاء بالمجتمعات، وتنمية الأحياء الفقيرة التي تُعتبر مركزاً لتعاطي وترويج المخدرات، وعدم السماح بانتشار الأحياء العشوائية، أو إهمال الأحياء التي نزح عنها سكانها؛ كي لا تتحول إلى أوكار تفريخ للمتعاطين والمروجين، وتجفيف السوق من العمالة المخالفة التي امتهنت الترويج للمخدرات. أما رجال المال والأعمال فمطالبون بإنشاء مصحات علاج المدمنين، التي تشهد شحاً في جميع مناطق المملكة. ومطالبون كذلك بالمساهمة المجتمعية في بناء الملاعب الرياضية في الأحياء، ونشرها بشكل كبير، ومراكز الترفيه التي يمكن أن تشغل الأطفال والمراهقين، وتبعدهم عن مستنقع المخدرات. الكشف الطبي الإلزامي في مراحل العليم المختلفة، طلب الزواج، والعمل قد يساعد كثيراً في وقف نمو شريحة متعاطي المخدرات خشية افتضاح أمرهم، أو فقدانهم فرص التعليم والزواج والعمل؛ ما يجعلهم أكثر حرصاً على تجنبه، وأكثر معرفة بالمخاطر المتوقع مواجهتها مستقبلاً. يجب أن تكون لدينا خطة استراتيجية شاملة لمكافحة المخدرات لضمان النتائج الجيدة.