لنعود إلى الخلف ونداهم التاريخ بلمحة سريعة... سنرى أن التاريخ برهن لنا بأن الإنسان كائن يميل إلى توثيق أحداث حياته وما يخالجه, من خلال ترجمة تلك المواقف بكل ما تحمله من مشاعر إلى عملية فنية تساند دور الذاكرة في عملية الحفظ. فبدأ بالرسم في الكهوف ثم الرسم على الجدران، وكان لكل حضارة طقوس في تصوير فنونهم، كالنحت وصنع بورتريهات من الشمع حتى توصلوا إلى اختراع الكاميرا (طبعاً السرد هنا غير تسلسلي)، واختلفت الأقوال عن أول مخترع حقيقي للكاميرا، وهذا خارج نطاقي ومساحتي لعدم تواجدي في تلك الحقبة حتى أؤكد لكم وعندئذ يكون للحقيقة جدار أعلى! لكن كلنا نعلم بأن أمهات الكاميرات كانت تقدم لنا صوراً باهتة بلا ألوان، وذلك لأنها كانت تفتقر للمعالجة مما جعلها سيئة التباين والظهور، تماماً كما يتعاطى البعض مع الأحداث، ويتعامل مع الأشخاص وفق مبدأ الانطباع الأول والذي ظلم الكثير. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: (إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ)- أخرجه أحمد والبخاري. هؤلاء حري بهم أن يشخصوا كياناً مليئاً بالتجارب والظروف ناهيك عن عمره - والذي ليس مقياساً دائماً! من خلال لحظات زمنية لا تتجاوز الدقائق أو السويعات! تجده يلتقط أفكاراً عنهم بسرعة الضوء بواسطة عدسة عتيقة! لا تحتوي على مستشعر ضوئي (محاولة إبراز النواحي الجميلة في الشخص)، ولا يحرص على معالجة الصورة (أي النظر للموقف بزوايا متعددة)، فتحفظ تلك الصورة في آلة التصوير البشرية (المخ) لفترة غير مفصوح عنها. يقول المصور ديفيد أكونا [عقلك مثل الكاميرا الحيّة يستمر في إلتقاط الصور وسوف تعود إليك، لذلك كُن مصوراً جيداً]. من لا يستطيع التعرف على مواطن الجمال في كل مرافق الحياة ليس واجباً عليه أن يجسد القبح ويثبت وجوده. من أساسيات الطبيعة أن كل ما هو جميل يحمل في طياته شيئاً من الاختلاف، حتى أن أقرب إنتاجاتها للبشر تحمل أنواع مختلفة كالزهور مثلاً! من يعي الحياة تماماً سيدرك أن كثرة التعرض للشيء تؤدي للتمسك به والتعرض للجمال يجعلنا نتوقى للأجمل. فالصور الرديئة عن الحياة والآخرين لن ترفعنا قدراً ولن تهدينا سعادة لأن الحياة أحياناً قد لا تظهر كما ينبغي.. ينبغي علينا ألا نلتفت لكل ما يظهر! (صدقني أكثر صورة تحتاج للمعالجة هي صورتك).