لا نحمل أنفسنا على محمل الأفضلية، فقد خلقنا الله على فطرة، ومن طبع كل إنسان فينا يخطىء، ومنا من يعتذر عن الخطأ ومنا من يكابر بالخطأ ولا يرى نفسه على خطأ، أصبح الفكر البشري لا يرى الخطأ بل يعتبر ما يخطىء به صوابا مبينا وغيره عكس ذلك، فأصبح ظنونه هي الصحيحة وأفكاره هي السلمية، فحسن الظن يندر عند بعض البشر، ففكره الإيجابي يكون غائبا، وحس الشعور بالآخرين يكون مُنعدما، فيرى أنه هو الأفضل والأجمل حتى لو وضع غيره في موضع الشك أو التشويه، من المؤكد لا مبالاة بحس الشعور ولا مخافة من عظم الذنب، فهنا اختلط الحسن بالقبيح، والأهم هو أن يكون ذلك الظن صحيحا حتى لو خسر جميع من حوله، وصفة حسن الظن لابد أن تكون بداخل كل شخص حتى لو علم بخبث غيره له، ربما بحسن ظنه ينكف شر ما يريده غيره به، فالإنسان لا يعلم أن حسن الظن يجلب الخير، ويريح القلب، ويجذب محبة الناس له، فالأفكار السيئة لا تقع بالنهاية إلا على رأس صاحبها، وبعكس التفكير الحسن ومخافة الله في ذلك، لأن ظن السوء قد يظلم أشخاصا عدة وهم في الحقيقة أبرياء، من الواجب على الإنسان أن ينظر نظرة عفو ونظرة خير، ويبعد عن كل الأمور السلبية التي لا تفيد نفسه وتضعه في دائرة الوساوس والتعب والذنب الذي يحبط العمل، فأين حضارة الفكر وأين المُنادي إليها، لقد غاب ذلك الموجه والداعي إليها، فأصبح الناس تأكل في بعضها بعضا باسم أتوقع أنه لم يفعل ذلك لأنه لا يريدك بصحبته، وأتوقع بأنه سخر منك لأنك قبيح، وأتوقع أنه لم يعجبه شكلك، وأتوقع وأتوقع،... حتى امتلأ القلب من الحقد، فلماذا لا نُشعرهم بحب الآخرين لهم ونملأ القلب من الإيجابية الغائبة بدلاً من الظن السيئ الذي لا يحمل سوى كره وحقد، لماذا لا نقول لهم: إن لكل شخص سبعين عذرا فربما لم ينتبه أو لم يقصد ذلك، حسن الظن هو الحضارة الفكرية الغائبة عن كل داع وموجه ومُحب للخير، لا نعلم ما سبب ذلك الغائب، إلا أننا نحتاج إعادة نظر في ذلك، فمن الآن وصاعداً اعتبر حسن الظن هو قلبك الذي ينبض بداخلك، ودع ظنون الآخرين السيئة لرب البشر، تذكر حياة قلبك لك أنت، وظنك الحسن هو عملك أنت لا عمل غيرك. ومن الناحية الدينية جاء خبر حسن الظن في جانبين في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} والمراد بالظن: التخمين بوقوع شيء ثم يبني على ذلك الظن أشياء ليس لها حقيقة، فيسبب ذلك عداوة وبغضاء. والظن إما محظور، أو مندوب إليه. *- الظن المندوب إليه: فهو حسن الظن بالأخ المسلم. *- وأما الظن المحظور: فهو سوء الظن بالله، روى جابر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل موته بثلاث يقول: «لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله» رواه مسلم، وكذلك من الظن المحظور: سوء الظن بالمسلمين الذين ظاهرهم العدالة، وهذا هو المراد بالآية، وكذلك حديث رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الثابت في الصحيحين، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث». وقد قال أبو قلابة: إذا بلغك عن أخيك شيء تكرهه فالتمس له العذر جهدك، فإن لم تجد له عذرا فقل في نفسك: لعل لأخي عذراً لا أعلمه، ولذلك نص العلماء على وجوب تجنب الظنون السيئة وحمل الناس على المحامل الحسنة، وطرد ما يلج للخاطر من أوهام وظنون، وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لا تظن بكلمة خرجت من أخيك المؤمن إلا خيراً، وأنت تجد لها في الخير محملاً. إذاً تذكر دائماً حياة قلبك لك أنت، وظنك الحسن هو عملك أنت لا عمل غيرك.