(في الصيف ضيّعت اللبن)، وهذا مثل حملته الأجيال والزمن لكل من ضيع فرصة حانت بين يديه، وهو ينطبق (تماماً) على بعض الفنانين الذين يشاركون بطريقة أو بأخرى في (مؤامرة) تسمى (حفلات الصيف) التي ترهق تأريخ الفنان وتسحب منه كثيراً من الوهج. قد نعطي العذر لفنان مبتدء، حتى يبني نفسه (قليلاً)، ويزيد من انتشاره بين أبناء جلدته في عواصم (الاصطياف) التي تضج هذه الأيام بكل خليجي، لكن أن يفعل ذلك فناناً بلغ من العمر عتياً، وله رصيد فني ثقافي كبير، ويسمح لنفسه أن يغني وسط طاولات (فندق ما) لعدد قليل من الجمهور من أجل حفنة من المال ومن أجل «خاطر» متعهد طمّاع فهذه مسألة غير مقبولة بتاتاً. المزاج العام للجمهور يرفض أن يشارك فنانه المفضل في هكذا حفلات، إذ لا هندسة صوت مناسبة، ولا بيئة متابعة ملائمة، وفيها يمنع التصوير وكأن شيئاً لم يكن، ثم رغم ذلك «البؤس» كله يتم رصد هذه الحفلة في تاريخه. الفن، وخاصة الغناء هو (بيئة) متكاملة الأركان، وبناء رصيد فني، ويعني عدم الرضوخ (لما يطلبه المتعهدون) الذين لا همّ لهم سوى جني مزيد من الأرباح حتى وإن وصل الأمر إلى وضع الفنان في زجاجة وحث الجمهور للتصوير معه مقابل دراهم معدودة. قضيتنا ليست في المتعهد لأنه لم يستطع (التفكير) في الاقتراب من بعض الفنانين أو حتى رغبة مفاتحتهم في حفل صيفي بالقاهرة أو دبي أو بيروت أو لندن أو غيرها، لكن القضية مع فنان (محترم) كنا نرغب أن يرفض بعض المهرجانات (المحترمة) فما بالكم بهكذا حفلات تؤثر على مسيرته (سلباً). وحين أقول إن الفن (بيئة) متكاملة فإن التاريخ لا يرحم والدقائق واللحظات القادمة يسجلها بدقة، ولا يستطيع أحد محوها مهما أراد لها ذلك. كنت أرجو وأرغب وأتمنى ألا يؤثر (المال) على قرارات الفنان في مثل هذه المواقف، ولا أعتقد بأن السعوديين والخليجيين سيصابون بالاكتئاب الحاد إذا لم يشارك (فنان ما) في حفلات صيفية، وإن فعل ذلك على هذا النحو الذي يحدث، فليشرب من البحر قدر المستطاع. إن حفلات الصيف هي قنبلة موقوتة، بل هي سرطان (خبيث) ينهش في أرشيف الفنان، ويجعله في موقف (متحرك)، كان في غنى عنه، ولم يكن بحاجته. نقرع الجرس حتى وإن كان متأخراً، لكنه أمر لابد منه، وإن تأخرنا في ذلك فإنما لأننا شركاء في هذه الفوضى التي كانت حفلات الصيف جزءاً آخر منها، والجميع أسهم بطريقة أو بأخرى في هذه (الأزمة) كلٌّ بحسب مكانه، انطلاقاً من الفنان والمقربين منه، مروراً بشركات الإنتاج والمتعهدين، وصولاً ب «بعض» الجمهور الذي لا يهمه أين ومتى وكيف يغني فنانه، بل المهم عنده أن يجده في كل مكان يذهب إليه.