عرض النظام الجديد «ساند» على كافة الأروقة الرسمية من وزارة العمل إلى مجلس الشورى، وبينها طرح على الرأي العام.. وأثار هذا النظام ما لم يثيره غيره من الأنظمة.. إلا أن الجدل المحموم حوله كان يعول على سلبيات أعلى كثيراً مما يشار له من إيجابيات.. حتى أن البعض يعتبره نظاماً للجباية وفرض الضرائب المباشرة على الدخل.. ولكن أي دخل، إنه دخل موظفي القطاع الخاص والحكومي.. لدرجة أن البعض يحلو له وصفه بأنه نظام لفرض نسبة ضريبة تعادل 1% على دخولهم. إلا أن ذلك ليس كل شيء، فالمشرع شرع هذا النظام لخدمة شرائح معينة بالمجتمع يرى أنها في حاجة ماسة للرعاية والمعونة خلال فترة معينة في حياتها «فترة التعطل عن العمل»، وهذه الفترة يرى المشرع أنها كثيراً ما تتكرر، وأن المواطن يكون خلالها أحوج ما يكون للدعم.. وينال هذا النظام أهمية لموظفي القطاع الخاص تحديداً، وخاصة أن العلاقة بين المواطن ومنشأة القطاع الخاص هي علاقة يشوبها التعطل من آن لآخر لأي سبب كان، سواء تعلق بالموظف أو المنشأة، فإن العدالة تقتضي أن يساهما معا في ضمان المورد أو الدخل خلال مثل هذه الفترة من التعطل عن العمل. إننا نسعى في هذا التقرير للفصل والحكم على «ساند»، هل هو يساند المواطن ؟ أم يساند المنشأة ؟ أم أنه مصدر للضغط على ميزانية المواطن، وبالتالي ضغط جديد على مستوى معيشته؟. «ساند» يساند.. رؤية وزارة العمل نظام ساند هو نظام يكفل تقديم تعويض للمشتركين المتعطلين عن العمل، الذين فقدوا وظائفهم لأسباب خارجة عن إرادتهم وتوفير مصدر دخل شهري لهم خلال الفترة الانتقالية الواقعة فيما بين الوظيفة السابقة وفرصة الحصول على وظيفة جديدة.. ومن المخطط أن يتم تطبيقه بصورة إلزامية على جميع الموظفين السعوديين في القطاعين الخاص والحكومي المشمولين بفرع المعاشات من نظام التأمينات الاجتماعية دون تمييز في الجنس، شريطة أن يكون سن المشترك عند بدء تطبيق النظام عليه دون 60 سنة.. ويشترط لصرف التعويض توفر مدة اشتراك لا تقل عن 12 شهراً في نظام التأمينات وألا يكون المشترك قد ترك العمل «بإرادته» أو «بسببه».. وألا يكون له «دخل من عمل أو نشاط خاص»، ويصرف التعويض لمدة 12 شهراً في كل مرة من مرات الاستحقاق بواقع 60% من متوسط الأجور الشهرية الخاضعة للاشتراك، عن كل شهر من الأشهر الثلاثة الأولى على ألا يتجاوز مبلغ التعويض 9000 ريال شهرياً، وبنسبة 50% من هذا المتوسط عن الأشهر التسعة المتبقية، وعلى ألا يتجاوز مبلغ التعويض7500 ريال شهرياً، ولا يقل الحد الأدنى للتعويض عن مبلغ ألفي ريال أو 100% من آخر راتب، أيهما أقل. هذا ويعتمد النظام على مشاركة الموظف وصاحب العمل في تمويل «ساند» بنسب متفاوتة معظمها يتجاوز 2%.. تسدد مناصفة بين الموظف وصاحب العمل، أي أن ما يحسم من راتب الموظف هو 1% فقط. هذا وقد فند معالي وزير العمل بأن الموظف المشترك لمدة 10 سنوات وكان راتبه في البداية 5 آلاف وارتفع إلى 10 آلاف ريال سيدفع 8600 ريال، في حين يحصل خلال تعطله عن العمل على تعويض بقيمة 52 ألفاً. باختصار، فإن ساند يساند الموظفين بالقطاعين الخاص والحكومي ضد فصلهم من العمل، بما يعزز من الأمان الوظيفي لدى العاملين ومن ثم يدعم التوطين. «ساند» يستقطع.. رؤية المواطن يرى الكثيرون أن «ساند» يمثل ضغطاً مالياً عليهم، لأنه باختصار سيستقطع من رواتبهم نسبة (حتى وإن كانت طفيفة) لفترة طويلة من الزمن وغير محددة.. ورؤية الاستقطاع تعززها الجوانب التالية: 1) رغم أنها اشتراكات، إلا أنه يشترط أن تكون لمدة لا تقل عن 12 شهراً، وهذه فترة طويلة. 2) أنه يشترط للحصول على التعويض أن يكون الفصل لا إرادياً وخارج عن إرادة المواطن، وهذه النقطة من الصعوبة إثباتها، بل إن جهات العمل في الوقت الراهن حريصة على عدم تمكين المواطن من إثبات الفصل التعسفي منها، وبالتالي، فإن هذا الاشتراط يصعب استيفاؤه، وربما يستحيل استيفاؤه.. فالأمر الغالب هو الاستقالة وليس الفصل في كافة الجهات. 3) أن غالبية الموظفين سيكونون مخيرين غالبا بين الحصول على حقوقهم من جهة العمل أم تعويضهم من مؤسسة التأمينات، فترك العمل بفصل تعسفي معناه الخروج «بلا حقوق» من جهة العمل، وهنا يحصل الموظف على التعويض.. أما قيام الموظف بتقديم استقالته، سيمكنه من الحصول على حقوقه ومكافأة نهاية الخدمة، الأمر الذي سيحرمه من الحصول على التعويض.. ودائماً سيختار الموظف «تقديم الاستقالة» للحصول على حقوقه في نهاية الخدمة، التي ستكون بالطبع أعلى كثيراً من تعويضه من مؤسسة التأمينات. 4) بالكاد يمكن التأكيد أن نسبة السعوديين الذين يتم فصلهم تعسفياً في القطاعين الخاص والحكومي قد لا تتجاوز نسبة 2%.. وعليه، فإن مؤسسة التأمينات يتوقع أن تدفع تعويضات لهذه النسبة فقط من إجمالي العمالة التي سيتم تطبيق النظام عليهم.. وبالتالي يتوقع أن يكون هذا النظام هو الأعلى ربحية ووفرا لمؤسسة التأمينات، حيث إنك تطبقه على عمالة لن تستطيع استيفاء شروطه إلا في أضيق الحدود.. لأنها مضطرة تختار تقديم استقالتها «بالتراضي» مع جهة العمل، مهما بلغت ذروة مشاكلها معها. 5) حتى النسبة الضئيلة التي يمكن أن تستفيد من «ساند»، فهي مؤهلة أيضاً للرفض حسب الاشتراط الثاني، وهو «ألا يكون المشترك قد ترك العمل «بسببه»، فهذا الاشتراط معناه الاعتماد على رأي صاحب العمل، وطالما الموظف تم فصله تعسفياً، فتوجد مصلحة لصاحب العمل لأن يثبت أن الفصل يعود لسبب يرتبط بالموظف، لتبرئة ذمته وجهة عمله من قيامه بالفصل التعسفي.. فإقرار جهة العمل بأن الفصل لا يعود لسبب يرتبط بالموظف، معناه إدانة صريحة لجهة العمل، قد تعرضها لمساءلة من هنا أو هناك.. وبالتالي، فإنه كيف يمكن أن يثبت الموظف أن ترك العمل لا يعود لسبب يرتبط به؟. 6) أما الاشتراط الثالث الذي يعيق إيجابية النظام، فهو اشتراط «ألا يكون للمشترك دخل من عمل أو نشاط خاص»، وهذا الاشتراط سيحرم البقية المتبقية من الحصول على التعويض، أولاً : لأنهم مضطرون لإثبات عدم وجود أي دخول من أنشطة أخرى.. ثانياً: لأنه يصعب إيجاد سعودي غير مرتبط بنشاط آخر، مهما كان ضئيلاً لزيادة مستوى دخله.. بالتحديد هذه الاشتراطات هي اشتراطات مانعة للحصول على التعويض، وفي الاعتقاد قد لا تطبق اشتراطات التعويض سوى على نسبة 1% من المشتركين، إن كانت ممكنة، رغم أن الاشتراطات في ظاهرها تعطي احتمالات لاستحالة وجود تعويضات نظراً لاحتمالية عدم انطبقا مثل هذه الاشتراطات مجتمعة في عامل معين. البعض يرفض «ساند» مطلقاً، ولكننا نرى أهمية إستراتيجية له لتحقيق الأمان الوظيفي، إلا أن ما انطوى عليه من اشتراطات تعجيزية هي محل نظر ومراجعة لزيادة أهميته، فليكن «ساند» نظاماً تأمينياً اجتماعياً، يدفع المشتركون أقساطاً شهرية، على أن يستفيدوا منه على الدوام، من خلال تصميم نظام أكثر مرونة في اشتراطاته للحصول على التعويضات.