إنَّ شهر رمضان هو شهر الله الذي اختصه لنفسه تعالى، فقال جلّ وعلا في الحديث القدسي ((الصوم لي وأنا أجزي به)). حيث يتفرغ المؤمنون فيه لصيامه نهاراً ولقيامه ليلاً. يجوعون ويظمأون بالحمد والشكر ثم هم يسهرون ويصلون ويتضرعون بالاستغفار ورجاء العفو والفضل من ربهم، إن فرحتهم بهذا الشهر لا تكاد تعادلها فرحة، وهم يقبلون على الله آناء الليل وأطراف النهار طائعين مستبشرين ((يبتغون فضلاً من ربهم)). ولعظمة هذا الشهر المبارك نتذكر بعض ما جاء في حقه: فقد روى ابن مسعود رضي الله عنه عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بأنه سمعه يقول في جمع من الصحابة رضوان الله عليهم ((لو يعلم العباد ما في رمضان لتمنت أمتي أن تكون السنة كلها رمضان)). ولقد طلب منه بعض الصحابة أن يحدثهم عن هذا الشهر العظيم، فقال عليه الصلاة والسلام: إن الجنة لتزيّن لرمضان من رأس الحول إلى الحول، فإذا كان أول رمضان هبّت ريح من تحت العرش فصفقت ورق أشجار الجنة، فتنظر الحور إلى ذلك فيقلن: يا ربنا اجعل لنا من عبادك في هذا الشهر أزواجاً تقرّ أعيننا بهم وتقرّ أعينهم بنا... ثم قال ((فما عبد يصوم يوماً في رمضان إلا زوّج زوجة من الحور العين في خيمة من درة)). وقد كان عليه الصلاة والسلام يُبشر أصحابه في شهر رمضان، ويقول: قد جاءكم الشهر المبارك الذي فيه الليلة التي هي خير من ألف شهر، ولله في كل ليلة من ليالي شهر رمضان ستمائة ألف عتيق من النار وله في آخر ليلة من لياليه مثل ما أعتق في جميع الشهر. قال أحدهم: طوبى لعبد صام لله عن مطعومه شهراً ومشروبه وصان عن قول الخنا صومه ولم يشُبه بأكاذيبه والتمس الأجر على صومه من ربه في ترك محبوبه فالصوم لله كما صح عن نبيّه والله يجزي به وقال آخر: شهر الصيام سيد الشهور كما أتى في الأثر المشهور ولم يزل في سالف الدهور محترماً ذا بهجة ونور فيه كما في الخبر المذكور نزل بالتوراة يوم الطور والذكر والإنجيل والزبور فاستكثروا فيه من القصور وانتبهوا للعرض والنشور قبل حلول ظلمة القبور وبَعْدُ... لئن كان لكل خير مواسم، ولبعضها مناسبات أفراح فإن شهر رمضان هو موسم جميع المسلمين الذي تتنافس فيه معطيات الخير في نفوسهم وتبرز معاني فطرهم الطيبة متحدية كل نوازع الشر والعبث، هذا بالإضافة إلى أن هذا الشهر تتضاعف فيه أعمال العبد عند خالقه وتحتسب النوافل بأجر الفرائض التي يضاعف الله أجرها عن غيرها في باقي الأيام.