لقد منَّ الله على عباده بنِعم عظيمة لا يحصيها إلا عالمُ الغيب والشهادة. منَّ عليهم بما فيه صلاحهم ومصالحهم في الحياة الدنيا وفي الآخرة، ومما منّ الله به على عباده فيما فيه سعادتهم في الحياة الآخرة أن الله أوجد لهم مواسم خير تتضاعف فيها الأعمال الصالحة من ذلك شهر رمضان المبارك من تقرّب فيه بخصلة من الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه، ومن أدى فريضة فيه كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه، وكذلك صيام ست من شوال فمن أتبع رمضان بست من شوال فكأنما صام الدهر كله. وكذلك عشر ذي الحجة العمل الصالح فيها يعادل ثوابها ثواب من خرج في سبيل الله مجاهداً بنفسه وماله ولم يرجع من ذلك بشيء. وكذلك صيام يوم عرفة كفارة لسنتين السنة الماضية والسنة القادمة لمن اجتنب الكبائر، وكذلك صيام يوم عاشوراء كفارة سنة وصيام ثلاثة أيام من كل شهر كصيام الدهر كله. وعمرة في رمضان تعدل حجة، وفي رواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تعدل حجة معي. وفي هذا الشهر المبارك شهر رمضان يبتهج المسلمون بإبلاغهم إياه فهو موسم خير وفضل وميدان للتنافس في العمل الصالح واستباق الخيرات، فقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه وصفه في إحدى خطبه فقال: شهر أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار، من تقرب فيه بخصلة من الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه، ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه. شهر فيه الفصل بين الحق والباطل، شهر تمكّن المسلمون فيه بقيادة رسولنا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم من إقامة إدارة إسلامية كان لها الهيبة والقدرة على نشر الإسلام والدفاع عنه، شهر أُنزل فيه القرآن من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في السماء الدنيا. شهر فيه ليلة خير من ألف شهر، شهر يعتق الله فيه كل ليلة عدداً كبيراً من عباده من النار، ويعتق الله في آخر ليلة منه عدد ما أعتقه في لياليه السابقة. شهر الصوم والصلاة وتلاوة كتاب الله واستباق الخيرات، شهر فيه تُفتح أبواب الجنان وتُغلق فيه أبواب النيران وتُصفد فيه الشياطين. شهر في صيامه تحصيل التقوى وتحصيل القوة في تقوية وازع الرحمن عند العبد، وتحصيل القوة في إضعاف وازع الشيطان. شهر فيه التدريب على تقوية الإرادة واتخاذ القرار. شهر فيه مزيد الشعور بحق الفقراء ومواساتهم والعطف عليهم، شهر فيه راحة الجسم من عناء مواصلة الطعام والإكثار منه. شهر يختص بالصوم. والصوم جزاؤه الجنة. شهر يختص بصيامه أهل باب الريان أحد أبواب الجنة. فأهلاً بشهر رمضان شهر الصوم والتقوى والصبر والاستباق إلى الخيرات ومرضاة رب الأرض والسماوات. روى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ربه أن الله تعالى قال: (كل عمل ابن آدم له الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به. ترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي). ولاشك أن استثناء الله الصوم من عمل عبده من تحديد الأجر على العمل الصالح يعني أن الله يجزي الصائم بغير حساب. وهذا يعني أن الصوم عبادة صَبْرٍ والله تعالى يقول عن جزائه الصابرين: (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب). ولشهر رمضان حرمة وجلال، فالعمل الصالح فيه مضاعف أجره، والعمل الطالح مضاعف فيه وزره. ومن الأدلة على مضاعفة عقوبة العمل السيئ في رمضان أن من جامع زوجته في نهار رمضان من غير عذر شرعي فصيامه فاسد وعليه الإمساك عن الأكل والشرب في ذلك اليوم الفاسد صومه. وعليه أن يقضي ذلك اليوم بيوم غيره. وعليه كفارة عتق رقبة مؤمنة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً. وليست هذه الكفارة في صيام أي يوم واجب في غير رمضان. نسأل الله تعالى أن يرزقنا الأدب مع الله تعالى ولا سيما في شهر رمضان .. والله المستعان..