الله أكبر.. الله أكبر.. على ترانيم أذان الشيخ عبدالعزيز بن ماجد - مؤذن الجامع الكبير بحي الديرة بالرياض - الذي يشق طريقه إلى آذان الصائمين في ذلك الحي القديم ويُنقل للملايين عبر الراديو أو كما يحلو للشيخ الطنطاوي أن يُطلق عليه (الراد) ليفطروا على ذلك النداء المقدَّس, ذلك الصوت الإيماني الذي نفتقده اليوم بعد أن ارتبط لسنواتٍ طويلةٍ في ذاكرتنا بشهر رمضان الكريم. وكان لحضور صوته - يرحمه الله - على مائدة الإفطار مذاق لا يعرفه إلا من عاش تلك اللحظات الإيمانية، رَحَلَ ذاك الصوت وبقي صاحبه خالداً في ذاكرة رمضان وفي وجدان الرياض وأهلها، كما لا تزال ذاكرة الجيل الذي أنتمي له والأجيال التي سبقتني تحتفظ بلحظاتٍ إيمانية أخرى وهي لحظة اجتماع العائلة بعد الإفطار أمام شاشة التلفاز لمتابعة برنامج (على مائدة الإفطار) الذي تكاد تخلو الطرق من سالكيها أثناء عرضه للاستمتاع بحديث الشيخ علي الطنطاوي الذي يكاد أن يُجمع الناس على حبه لعفويته وبساطته التي كانت تشبه عفوية وبساطة أهل ذاك الزمان، وبلغته الفصيحة المرصعة بألفاظٍ شاميةٍ لذيذة، وهو يستطرد في حديثه وينتقل من موضوعٍ لآخر ثم يضحك ويقول أين كنت؟ نسيت ماذا كنت سأقول لكم!! وأمامه طبق من الفاكهة البلاستيكية، وبين فينةٍ وأخرى يمد يده ليلبس نظارته فينظر إلى الساعة التي أمامه منهياً حديثه (خَلَصْنا... المُخْرج يقول خلصنا والسلام عليكم ورحمه الله) ثم يغلق جهاز المسجل الذي بجواره... ثم بعد أداء صلاة التراويح, تبدأ الأسر أمسياتها الرمضانية ومسامراتها التي تنتهي باجتماع الأسرة أو أهل الحي على مائدة السحور التي تحلو بمشاهدة برنامج الشيخ المفسر محمد متولي الشعراوي الذي كان برنامجه مسك الختام لأمسيةٍ رمضانيةٍ نفتقدها اليوم. هذه الذكريات التي جادت بها ذاكرتي الصغيرة، وتلك الشخصيات التي ارتبطت بشهر رمضان الكريم وبقيت خالدةً في وجدان أجيالٍ وأجيال تَحِنُّ هذا اليوم إلى رائحتها العبقة، ولحظاتها النورانية، فقد كان لرمضان معها مذاق عذب وروحانية مختلفة.. تجعلني أكتفي قائلاً: (كل رمضانٍ أنتم بخير).