من المعروف أن الجسم يضعف مع التقدم في السن. تكون الأعضاء والحواس رقيقة في الطفولة، ثم يشتد عود الإنسان شيئاً فشيئاً، بعدها يبدأ الضعف التدريجي، لهذا ينصح العلماء بالرياضة – ومن ذلك رياضة التقوية كالحديد – خاصة لمن تعدى الثلاثين من العمر، لأن الجسم يفقد عضلاته ببطء بعد ذلك إلا إذا قُوّيَت. هذه من حقائق الجسم البشري، فمع الجسم البشري فإن هناك مثلاً صادقاً: استخدمه أو اخسره. استخدم العضو ومرّنه وحرّكه وسيقوى، وأما إذا أهملته فإنه يضعف. العضلات مثلاً لا بد من تمرينها باستمرار وإلا ضمرت، وقُل ذلك عن العظام، فكثرة الرياضة تقوي العظام، وبعض الرياضات القاسية مثل الملاكمة تُقوّي اليدين بسبب كثرة الضرب والذي يجبر خلايا العظام أن تعيد تكوين نفسها من جديد بشكلٍ أكثر صلابة لتتعامل مع الضغط الذي تتعرض له. غير أن هذا المبدأ – أي مبدأ الاستخدام الذي يقوّي – ينطبق على كل شيء في الجسم البشري، ومن ذلك المخ. إن استخدامك لمخك يقويه ويحفظه لك مهما كبرت، بل قد تجد أحدَّ الناس أذهاناً وأقواهم ذاكرة أناس تجاوزوا الستين والسبعين، ومن أسباب ذلك تقويتهم لأذهانهم، فهؤلاء لن تجدهم من النوع الذي يقضي الساعات الطوال أمام التلفاز، لأن مشاهدة التلفاز عملية جامدة ليس فيها تحريك للمخ، وليت الأمر يقتصر على خلوّ مشاهدة التلفاز من المنافع وإنما هو يضر المخ، وأظهرت الدراسات العلمية ذلك، منها اكتشافات وجدتها مجلة علم النفس الوراثي والتي وجدت أن مشاهدة التلفاز تُضعف القدرة الدراسية ، وتجعل القدرة على القراءة والفهم والرياضيات تذبل، وتقلل حاصل الذكاء. وقد ذهب العلماء لقرية صغيرة في كندا ليس فيها تلفاز وأعطوا بعض العائلات أجهزة تلفاز ثم راقبوا ما يحصل لهم، وفي وقتٍ سريع صار الناس أقل قدرة على الإبداع وحل المشاكل وأقل قدرة على إنجاز المهام، بل إن دراسات حديثة أظهرت أن التلفاز يُغلق العقل ويجعلك – فعلياً – مشلولاً من الناحية الذهنية ، فتتلقى ما هو موجود في التلفاز بلا مساءلة، ويُحشى عقلك بشتى التفاهات والأضرار . باختصار، قال العلماء إن مشاهدة التلفاز هي عملية غسيل للدماغ. إذا أردت أن تقوّي دماغك فهناك طرق كثيرة، منها القراءة المستمرة للأشياء النافعة (مهارات، معلومات، إلخ)، ومنها أن تتعلم لغة جديدة مثلاً، فقد أظهر العلم أن المخ الذي يتقن لغتين أنْبَه وأسرع من المخ الذي يعرف لغة واحدة، وهو أيضاً أقدر على التعامل مع الغوامض، وحل المشاكل، بل الأحسن أنه يقاوم المرض الذهني، فتعلُّمُ لغة ثانية يجعل المخ يقاوم مرض الزهايمر وأنواعاً أخرى من الخرف. مخك معجزة. إنه من عجائب الله، والمخ أعجز العلماء عن فهمه وتحليله بدقة، فلا تُضِع هذه النعمة بساعات من التلفاز والحاسب والجوال، وابدأ في تمرينه اليوم بالقراءة والتعلُّم.