أزمة تربوية، أثارها مقطع فيديو حمل اسم «مهزلة تربوية»؛ ليمتعض الرأي العام السعودي، والتربوي - خصوصاً-، عقب تداول مواقع التواصل الاجتماعي مقطعاً مصوراً لعدد من طلاب المرحلة الابتدائية في مدينة الرياض، وهم يقومون بتمزيق، وإتلاف مقرراتهم المدرسية بعد نهاية سنتهم الدراسية، وموجهين شتائم طائلة للدراسة. ما حدث من مشاهد أليمة، تعبّر عن خلق، وإهانة لمحتوى هذه الكتب، أعطانا مؤشراً نوعياً عن مدى الارتباك في شخصية طلابنا، وضعف قدراتهم على مواجهة المشكلات المجتمعية الكبرى، - إضافة- إلى حالة التخبط النفسي، والاجتماعي، والفكري التي يعيشها الطلاب، - من خلال - انهيار المنظومة الأخلاقية، والاجتماعية، وذلك عائد بالخصوص إما إلى سوء التوجيه، أو ضعف التكوين في المرحلتين - الابتدائية والمتوسطة -، أو ما يتعلّق بالدور الأسري الغائب، والتي لم تستشعر بعد الخطر المحدق بأجيال المستقبل. من نافلة القول أن نُقّر بأهمية الكتاب، وأنه إحدى أدوات التواصل البشري في حياة الإنسان، وأنه خير جليس - كما عبّر عنه المتنبي -، والأنيس في ساعة الوحدة - كما قال عنه الجاحظ-. وعندما يكون الأمر كذلك، فإن افتقار الطالب - اليوم - إلى التأسيس في مسألة ارتباطه بالكتاب، أصبح هو الدافع وراء النفور الشديد في العلاقة بين الطرفين، - لاسيما- ونحن نتحدث عن مرحلة عمرية جديرة بالاهتمام، والمتابعة. وإذا كان الكتاب المدرسي مرجعاً لا غنى عنه في بناء الجوانب الأساسية في الثقافة البشرية، فلماذا عجزنا عن تكوين مساحات واسعة؛ من أجل إيجاد بيئة تمكّن الطالب من التعبير عن رأيه، فيما يتعلّق بهذه الكتب، وذلك وفق قنوات أكاديمية واضحة؛ وحتى تلائم التحولات العلمية، والتكنولوجية التي يشهدها العالم - اليوم-. الأمر الذي سيجعلنا نراجع طبيعة العلاقة الشائكة بين مفهوم التصور التقليدي للكتاب المدرسي، والطالب، والعمل على إعادة هيكلة البعد المنهجي للمؤسسة التربوية - مرة أخرى-. إني لأرجو ألا يصبح الكتاب المدرسي من مخلفات عصور نهضتنا المعرفية الأولى، - خصوصاً- وأن العصر الذي نعيشه يتسم بتعدد الثقافات، والانفتاح على ثقافة الآخرين. وأن نضع حداً لهذا العبث الذي بات الحصيلة المنطقية لغياب إستراتيجيات علمية، وخطط تربوية، تواكب التحولات الاجتماعية، والتغيّرات الرقمية الهائلة، التي يشهدها العالم - اليوم-.