اطلعت على ما كتبه الأستاذ عبدالعزيز المتعب في الجزيرة يوم 17-8-1435ه بعنوان (عدو في ثياب صديق) فألفيته مقالاً رصيناً مؤدباً ينضح بالعقل والرزانة، ويفوح من ثناياه عمق التجربة وبعد النظر والحلم والأناة، أحسبه كذلك والله حسيبه ولا أزكي على الله أحداً. فهو في خلاصته يقول: لا تستغرب أن تجد من الأقارب عقارب، وحسدة ديدنهم {وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ} ومبدؤهم {إِن تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ}، ولا أقول (وَإِن تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يفرحوا بها) ولا نقول ذلك حتى لا نبالغ ولكن هذا الداء العضال، والسم القاتل، يقع كثيراً بين الأقارب فصيّرهم عقارب! وإذا كان هذا الحسد قد وقع بين ابني آدم عليه السلام كما قال تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ} فقتل (قابيل هابيل) بسبب الحسد وهي أول جريمة وقعت على وجه المعمورة. وإذا كان هذا الداء وقع كذلك لأبناء (يعقوب) عليه السلام عندما حسد إخوة يوسف عليه السلام أخاهم بسبب محبة والده له {وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ} وكانوا قد تآمروا على قتله {اقْتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا} يعني انفوه من الأرض، فإذا كان هذا وقع بين أبناء الأصفياء، الأنقياء، الأتقياء، فكيف بنا اليوم؟! ولكن ليعلم الحاسد أن حسده يقطّع قلبه هو، ويأكل حسناته كما تأكل النار الحطب، وأنه آثم مجرم في حق الله وفي حق نفسه، وحق قرابته، حتى وإن ادّعى أن هذا غصب عليه فهذا لا يعفيه من الإثم والملامة لأنه كما قال شيخ الإسلام (ما خلا جسد من حسد، لكن الكريم يخفيه، واللئيم يبديه). فليجاهد المرء نفسه ويقسر قلبه على العدل، ويأطره على الحق أطرا، كما قال صلى الله عليه وسلم (الحلم بالتحلّم، والصبر بالتصبّر، وهكذا) فليجاهد المرء نفسه ويكبح جماحه كما قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا}. اصبر على كيد الحسود، فإن صبرك قاتله كالنار تأكل نفسها إن لم تجد ما تأكله ثم ليستشعر هذا الحاسد أن فيه شبهاً من اليهود الذين يحسدون الناس {عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ}، وأنه معترض على قضاء الله وقدره، ولم يرض بقسمة الله، وإلا فهو في الأصل ليس له دواء، لأنه داء خبيث، مغروس، في سويداء القلب لكن بالمجاهدة والكتمان، وذكر الله وتذكّر ذوي القربى يمكن تخفيفه وتجفيفه من بؤرة القلب، كما قال الشافعي رحمه الله: وداريت كل الناس لكن حاسدي مداراته عزت وعز منالها وكيف يداري المرء نعمة حاسد إذا كان لا يرضيها إلا زوالها! اللهم طهّر قلوبنا من الغل، والحقد، والحسد. وأبسط مبادئ القرابة هو محبة القريب لقريبه كما يحب لنفسه كما قال تعالى {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ} والسلام عليكم.