كنا نعتقد أن تقبُّل المجتمع السعودي لزيارات السائحين لمناطقهم المعزولة من أهم معوقات التنمية السياحية، خصوصاً في المناطق النائية التي لم تعرف للتواصل الخارجي طريقاً.. وكنا نعتقد أيضاً، أن الوزارات الخدمية أكثر تقدماً في دعم السياحة الداخلية، والمناطق الأثرية، والموروث الشعبي من المواطنين البسطاء الذين لا حول لهم ولا قوة. يبدو أن اعتقاداتنا المسبقة كانت خاطئة، فبزيارة عاجلة لأي من المناطق السعودية يمكن للسائح العابر اكتشاف حقيقة الأمر.. فالمواطن البسيط بات متقدماً على الحكومة في استقباله للزائرين، والاهتمام بهم، ومحافظته على تراث منطقته، وإحيائه موروثها الشعبي، وبذل الغالي والنفيس في مقابل إظهار مدينته، ومسقط رأسه بالمظهر المتميز. يدعمه في ذلك جهود الهيئة العامة للسياحة والآثار التي تبذل ما في وسعها لتحفيز المواطنين والمبادرين على حماية الآثار، والاستثمار في إنشاء المتاحف الخاصة والمحافظة على الطابع التقليدي للقرى التاريخية. محدودية موازنة «الهيئة» تجعلها في موقف حرج أمام مبادرات المواطنين، وإن أسهمت في بعض الدعم المالي الذي أعتقد أنه أكثر حرصاً على مضاعفته أضعافاً كثيرة لو تهيأت لها الأموال اللازمة. أجزم بأن طموح «الهيئة» يفوق بكثير إمكانياتها المالية، فالمتتبع لما يطرحه الأمير سلطان بن سلمان، رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار، يرى بوضوح سقف الأهداف المرتفع والتي تحتاج إلى دعم قوي ومباشر من الحكومة كجهة مسؤولة عن إنجاح خطط السياحة المحلية. أجد في بعض المواقع الأثرية انفصاماً تاماً في الصورة الجمالية، فجمال المتحف، أو القرية التراثية، لا علاقة له بجمال البيئة الحاضنة، حيث ضعف المشروعات الخدمية المحيطة بالمشروعات السياحية، وهو أمر لا علاقة ل «السياحة» به، بل هو من صميم عمل الوزارات التنموية، وعلى رأسها وزارة الشؤون البلدية والقروية، ومن مسؤوليات إمارات المناطق ومحافظاتها. في أبها البهية يُواجه السائح بضعف المشروعات التنموية الداعمة للسياحة.. فمنطقتا السودة والحبلة، من أهم المناطق السياحية في المملكة، وليس في عسير فحسب، وبرغم أهميتهما القصوى يعاني زائروهما من قصور كبير في الخدمات المساندة، وتقليدية المكان. وقفت كثيراً عند إغلاق فندق «إنتركونتننتال السودة»، الذي عجزت وزارة المالية عن تشغيله، فآثرت إغلاقه توفيراً لنفقات التشغيل!.. أعجب من وزارة تحتفظ بأكثر من 1.7 تريليون ريال كاحتياطيات خارجية، وتعجز عن تحمُّل نفقات تشغيل فندق في أهم المواقع السياحية؟!.. إنه العجز الإداري لا المالي، ولنا عودة مفصلة لمحفظة الفنادق التابعة لوزارة المالية - بإذن الله -. مطار أبها لا يمثّل الواجهة المستحقة لعسير، التخطيط المستقبلي لإنشاء مطار دولي حديث، يجب ألا يمنع إنشاء صالات بديلة لخدمة السائحين والمواطنين وزوار المنطقة.. إنشاء صالات حديثة وعصرية يمكن تنفيذها في فترة زمنية قصيرة لا تتجاوز ستة أشهر، وبموازنة مالية لا تزيد على خمسين مليون ريال. في إحدى المناطق السياحية النائية في الهند قام رجال الأعمال بإنشاء مطار دولي عصري وحديث بمبلغ 12 مليون دولار فقط.. تم تشغيل المطار على أسس تجارية، فأصبح يحقق اليوم إيرادات مالية تُقدر ب 30 مليون دولار، بخلاف العوائد الكبرى على اقتصاد المدينة وسكانها. برغم أهمية منطقة «المفتاحة» في أبها، ومحتوياتها التراثية، ما زالت تعاني من قصور الخدمات، والتطوير.. أعتقد أن إغلاق المنطقة أمام المركبات وتحويلها إلى مركز للمشاة مرتبط بالقرية التراثية، وتطويرها بشكل عصري سيجعلها أكثر جمالاً، وجذباً للسائحين، ومتنفساً لأهالي المنطقة. عسير محيط السياحة، وأبها جوهرتها، ومن العجب أن تقصر المشروعات التنموية عن دعمها الدعم الأمثل المحقق لطموح سكانها، وأهداف الهيئة العامة للسياحة والآثار، وأمنيات العاشقين لطبيعتها الساحرة، وأجوائها الجميلة المعطرة بروائح الورود، وطيبة أهلها وكرمهم. عوداً على بدء، يجد الزائر في أهالي عسير من الكرم والاحتفاء والحرص على السائحين ما لا يجده من بعض الجهات الرسمية.. إحساس بالمسؤولية مدعماً بثقافة القبائل المحبة للضيف، والحريصة على راحته.. تنافسوا فيما بينهم لحفظ التراث، وتقديمه بصورة رائعة، بذلوا أموالهم لخدمة وطنهم وحفظ تراثه، فاستحقوا الشكر والثناء والتقدير، وكانوا أكثر استحقاقاً للدعم الحكومي لمشروعاتهم السياحية، وتنمية مدنهم وقراهم وأريافهم الجميلة.