ليل الجمعة وبعد أن هدأت الأقوام، وخلا كلُّ صوب مضجعه، بقيت وحدي ألوم الضجر، وأسخر من وحدتي، قرأت بضع صفحات كعادتي قبل أن يغشاني الوسن، لكن النوم عاندني وتركني فريسة الأرق والفكر، اعتدلت في فراشي وأسندت رأسي على رأس السرير، ترافقا في هدوء، وأرسلت يدي لتشعل الأباجورة الخامدة، تناولت جهاز اللاب، فتحته، وتجولت في أركان عالم افتراضي قرأت موضوعاً وآخر، أصبح النت هذا الاختراع العظيم أجمل ما أنجبته البشرية بعد اختراع الكهرباء والهاتف، اختراعات أسعدت البشرية لم يكن للأسف للعرب دور فيها، سوى استخدامها تبذيراً وإزعاجا بينهم، ثم شتم الكفار! الهدوء رفق الإنترنت أو الكتاب شيء جميل، يأخذك من أجوائك ومجلسك وكل ما حولك، دون أن تشعر، تسبح في فضاء اللا نهاية، رفق المشهد والسطور. أعترف لنفسي أحياناً، أن البُعد عن الناس غنيمة، وأن الراحة والسكون ليس لهما ثمن، أشكر الله أنْ منّ عليّ وهيأ لي الظروف والأسباب، لأرافق الكتاب، وأعانق السطور، معهما أجد نفسي، وأختار وقتي، وأطلق لهما العنان، يحركا تفكيري، ويرتديا إحساسي. تمنيت دوما لو أني ولدت وعشت في مدينة ساحلية، لأظفر بالبحر، ليس لأتقبطن وأدير دفاف الجاريات تمخر عبابه فأنا غشيم العوم وأظني أغرق في (طشت) بل لأستأنس جواره وأعزف بصمتي مع عزف موجات البحر وهي تغدو وتروح جيئة وذهاباً، لا يعكر صمت الليل إلا صوتها المتدفق الحائر تأتي كأنها تنوي ترك البحر إلى اليابسة، فيستردها البحر تارة أخرى تتأرجح كأنها طفل تحركه يد أمه بحنان دافق، كم تمنيت هذا، لكن الأماني حال والواقع حال آخر، عشت كثيراً على الأمنيات، لكنها تظل دوماً مجرد أمنيات، أنشغل عنها بأمور أخرى، وأعتبرها مجرد خاطر، حتى لا تترك في القلب حسرة، وقلبي لا تنقصه الحسرة، فيه من الألم ما يكفيه. الوحدة مع سرير ليل هادئ يعقبها نوم ملء الجفن، مستحبة. وكم في الليل من شجون نقتلها بالأمل.