كتبت العام 2007 مقالة في الجزيرة بعنوان «حوالات الإنترنت المصرفية وتمويل الإرهاب» أشرت فيها إلى استغلال جماعات الإرهاب التقنية الحديثة للتجنيد؛ ولجمع التبرعات المالية عن طريق جوالات الإنترنت المصرفية؛ أو الوسائل التقليدية بعد تحفيز مستخدمي شبكات النت على التبرع لهم. وأشرت إلى أن جماعات الإرهاب في المملكة نشطت مبكراً في استغلال شبكات الإنترنت لحشد التأييد والدعم لعملياتها الإجرامية، وتفنن منظروها في طرح وجهات نظرهم بأساليب ملتوية يصعب على العامة إنكارها أو التحفظ على بعض مبادئها المنحرفة، تطورت استخدامات الإنترنت لدى الجماعات الإرهابية، وأصبحت تشكل عصب القيادة والسيطرة والتمويل. ضبط وزارة الداخلية للتنظيم الإرهابي المرتبط بالقاعدة في اليمن؛ وداعش في سوريا؛ كشف عن دور شبكات الإنترنت؛ ومواقع التواصل الاجتماعي في عمليات الحشد والتنظيم والدعم والتوجيه والتمويل، بما فيها جمع التبرعات. الضربة الاستباقية المباركة أفسدت مخططات «القاعدة» الهادفة إلى إعادة إحياء التنظيم محلياً. لم تتوقف المكاسب الأمنية عند إفشال مخططات الخلية الإرهابية؛ بل تجاوزتها لكشف مستودع المعلومات المهمة ذات العلاقة بالتنظيم؛ وارتباطاته الخارجية والداخلية؛ ووسائل التمويل المالي التي أعتقد أنها أهم الأهداف الواجب كشفها ومحاربتها. الربط بين حجم الأموال المضبوطة؛ وبين ملاءة التنظيم المالية يجب ألا توهمنا بضعف قدرة تنظيم القاعدة على توفير الأموال المطلوبة متى شاء. فالأموال النقدية التي تم ضبطها؛ والتي بلغت 900 ألف ريال و20 ألف دولار، لا تعكس الأموال الحقيقية المتاحة للتنظيم. حيث يعتمد تنظيم القاعدة؛ ولدواع احترازية؛ على فصل الارتباط بين بعض العناصر التمويلية الرئيسة وبين «الخلية المحلية»؛ وبما يسمح بتوفير الدعم المالي وقت الحاجة؛ حيث تشكل العناصر التمويلية المنفصلة؛ البنك المركزي لتنظيم القاعدة؛ في الوقت الذي تشبه فيه عناصر التمويل المرتبطة بالخلايا الطرفية؛ البنوك الصغيرة التي لا يُسمح لها بزيادة أرصدتها عن الحد النقدي المتفق عليه؛ ولكنها تستطيع وبسهولة طلب التمويل من العناصر المنفصلة (بنك الجماعة المركزي) التي تسيطر على الودائع الضخمة الخاضعة لإدارتها التشغيلية. قد تكون بعض عناصر التمويل المنفصلة متواجدة محليا؛ وتتخفى بأنشطتها التجارية؛ وتدير محفظة استثمارية لتنظيم القاعدة في الداخل؛ ما يجعلها مصدراً سريعاً للتمويل المطلوب. من يتمعن في حجم الخلية المضبوطة؛ والأسلحة والأدوات المتوفرة لها؛ يوقن بأن المبالغ المضبوطة لا تعكس الملاءة المالية التي يفترض أن تكون متاحة لأعضائها. يمتلك تنظيم القاعدة قنوات تمويل متنوعة تتيح له القدرة الفائقة على جمع المبالغ المطلوبة؛ ويمكن تحديدها في ثلاثة مصادر رئيسة؛ التمويل الخارجي وهو الأضخم والأخطر والأكثر استدامة؛ خاصة وأنه يتضمن الدعم اللوجستي؛ والاستخباراتي؛ وتوفير الأسلحة النوعية. ثم التمويل الداخلي الذي يعتمد في الأساس على التبرعات المالية للمحسنين المغرر بهم والمتعاطفين مع ما يحدث للمسلمين في مناطق النزاع؛ إضافة إلى تبرعات مؤيدي التنظيم؛ ثم عمليات التهريب القذرة التي باتت تدر على جماعات الإرهاب أموالاً طائلة. استنسخ تنظيم القاعدة تجربة (حركة فتح الإسلام) مع شبكات النت؛ وهي تجربة تستخدمها منظمات التهريب العالمية بكفاءة منذ عقود؛ ولعل التداخل الكبير بين منظمات الإرهاب؛ وعصابات التهريب المنظمة؛ سمح بنقل التجارب التقنية في التمويل القذر والتجنيد. وقف تدفقات المحسنين المالية التي باتت تصل بسهولة إلى أيدي جماعات الإرهاب بأنواعها؛ يجب أن تكون من الأولويات الأمنية. ما زال المجتمع؛ وبرغم التحذيرات والوقائع المؤلمة؛ يُحسن الظن بعناصر الإرهاب المتوشحة بوشاح الدين؛ والصلاح. التمويل الخارجي قد يكون الأكثر أهمية بالمواجهة. إثبات بعض التدفقات النقدية القذرة يمكن أن تقحم الدول المارقة في قضايا تمويل الإرهاب. المواجهة المكشوفة مع الدول الإقليمية الداعمة للتنظيمات الإرهابية بات مطلبا ملحا؛ فلولا الدعم المالي والاستخباراتي؛ والإعلامي لما استطاع تنظيم القاعدة أن يفكر في إعادة بناء نفسه من جديد؛ أو أن يخطط لتنفيذ عمليات إرهابية في الداخل. الأمر ينطبق على جماعات الإرهاب في اليمن وسوريا ولبنان والبحرين؛ والخلايا النائمة في الكويت. أجزم بأننا في أمس الحاجة إلى تطبيق المواجهة المكشوفة مع جميع الجهات الداعمة للإرهاب؛ بدأ من الدول؛ مروراً بالجماعات المتأسلمة؛ وانتهاء بالإعلام ومن يوجهه لخدمة الإرهاب والإرهابيين.