لم يتجاوز الخليفة الراشد عمر بن الخطاب- رضى الله عنه- الحقيقة عندما قال: (نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فإن ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله). لماذا؟ لأن الإسلام آخر الأديان وأهمها لشموليته، فقد أمر الله عز وجل الإنسانية جمعا بالتعبد به إلى نهاية هذا الكون {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} (107 سورة الأنبياء) ولأن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم الذي كلف برسالة الإسلام هو خاتم الأنبياء والمرسلين وسيد ولد آدم وينتمي للعرب الذين شرفوا بكون محمد عليه الصلاة والسلام منهم، وبالتالي تحملهم مسئولية إبلاغ هذا الدين لبقية بني الإنسان، ولذلك كانوا على مستوى المسؤولية حيث استبدلوا عاداتهم الجاهلية بأخلاقيات الإسلام الخالدة فكانوا قدوة وأسوة حسنة لبقية الأمم التي وصلها الإسلام في عهدهم. حيث كان إمامهم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم هو قدوتهم في هذا المجال الذي يقول: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق). فقد كانوا يتحلون بالعديد من الصفات ومنها: * الحياء: امتثالاً لقول الرسول عليه الصلاة والسلام (لكل دين خلقاً وخلق الإسلام الحياء). * الزهد: الذي يعتبر أعلى مراتب القناعة وهو يعني ترك المباحات التي لا أهمية لها في الدين والدنيا. * الكرم: باعتباره أحد مقومات ديننا الحنيف {لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ} (92 سورة آل عمران). * الصدق: لكونه طريق النجاة وطريق الوصول إلى الغايات، يقول الخليفة الراشد عمر رضى الله عنه في الصدق (عليك بالصدق وإن قتلك). * الأمانة: لكونها مطلبا إسلاميا وثقلا لا يقواه حتى الجبال، ومما يدل على أهمية اتصاف الإنسان بالأمانة أن الرسول محمد- صلى الله عليه وسلم- ظل هو الصادق الأمين عند كفار قريش حتى بعد ظهور الإسلام وعداوتهم له حيث كانوا يضعون أموالهم أمانة عنده وبعد هجرته عليه الصلاة والسلام أوصى علي بن أبى طالب رضى الله عنه بتسليم المشركين ما كان عنده من ودائع لهم. * الحلم: باعتباره سيد الأخلاق وهو يعني الثقة بالنفس والثبات أمام المنتقدين وعدم الانتقام، ومما يدل على أهمية هذه الصفة قول الرسول صلى الله عليه وسلم لأشج عبد القيس (إن فيك خصلتين يحبهما الله الحلم والأناة). * التواضع: لكونه عادة حميدة وخلقا رفيعا قال تعالى: {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ } (83 سورة القصص) والتواضع هو لين الجانب للصغير والكبير، وكان الرسول عليه الصلاة والسلام مع أنه أشرف من وطأت قدماه الأرض أسوة حسنة في التواضع، حيث كان يرقع ثوبه ويخصف نعله ويساعد أهله ويسلم على الصغير ويوقر الكبير. * كتمان السر: الذي يعد من الأخلاق الرفيعة إذ يقول فيه الرسول- صلى الله عليه وسلم- (استعينوا على قضاء الحوائج بالكتمان فإن كل ذي نعمة محسود) ويقول الإمام الشافعي رحمه الله: إذا المرء أفشى سره بلسانه ولام عليه غيره فهو أحمق إذا ضاق صدر المرء عن سر نفسه فصدر الذي يستودع السر أضيق الشورى: وهو من السمات التي تخلق بها المسلمون الأوائل فقد أمر المولى عز وجل نبيه عليه الصلاة والسلام بالعمل بهذه السمة وفي قوله تعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} وذلك لكون الإنسان فقيرا بنفسه غنيا بإخوانه وأقرانه، وقد استشار الرسول- صلى الله عليه وسلم أصحابه في الخروج أو البقاء في المدينة يوم أحد وفي مصالحة بعض الأحزاب يوم الخندق على ثلث ثمار المدينة. أما أخلاقيات المسلمين في الحرب فلم تكن حروبهم حروب استعمار أو تدمير شامل بل كانت بشارة بدين الإسلام، ولذا كانت أخلاقياتهم في الحروب كالآتي: * قصر القتل على المقاتلين: امتثالاً لقول المصطفى عليه الصلاة والسلام (من ألقى السلاح فهو آمن ومن أغلق بابه فهو آمن). * عدم الغدر والمثلة: تمشياً مع توجيه النبي عليه الصلاة والسلام (اغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليداً). * إكرام الأسرى: فالقائد صلاح الدين الأيوبي عندما حرر القدس سنه 1187م أمر بتوزيع الصدقات على الفقراء والمرضى والأرامل من الصليبيين كما أمر برد الأسرى إلى أقاربهم وسمح لنصارى بيت المقدس بالإقامة في القدس. * الاستجابة لنداء السلام: حتى ولو كان صادراً من العدو {وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ} (61 سورة الأنفال) وقول الرسول عليه الصلاة والسلام يوم الحديبية (والله لا تدعوني قريش إلى خطة توصل بها الأرحام وتعظم فيها الحرمات إلا أعطيتهم إياها) وبعد فقد جاء القرآن الكريم وجزء منه يتعلق بمحاربة الشرك وترسيخ العقيدة في نفوس الناس، وجزء منه يتعلق بالترغيب والترهيب، وكان هذا في بداية الرسالة، أما الجزء الأكبر فهو يتعلق بالأحكام التي تنظم شئون الناس وتنظم شئون الحكم وتنظم علاقة المسلمين مع غيرهم وهو أكبر دليل على أن الإسلام ليس دين عبادة فقط بل هو دين ودولة، ومن هذا المنطق اتخذت بلادنا (المملكة العربية السعودية) هذا الدين بقرآنه الكريم وسنته الشريفة دستوراً ومنهج حياة حتى قبل صدور النظام الأساسي للحكم سنة 1412ه الذي نص على هذه المرجعية بشكل صريح، وقد حققت بلادنا بذلك نجاحات كبيرة في مجالات شتى مما يبرهن على صلاحية الإسلام لكل زمان ومكان. والله الهادي إلى سواء السبيل.