عندما يغيب الحقيقي أو يُغيب فإن المزيف هو الذي يظهر ويُبرز, والساحة التشكيلية المحلية تعاني هذه الأيام ومن فترة ليست بالبسيطة بالدخلاء والمدعين والمدلسين، ولكن بروزهم وبروزتهم في هذه الفترة كان للانفتاح الإعلامي ووسائل التواصل الاجتماعي الدور الأكبر فيه، وسبباً في ظهورهم على السطح وانتشارهم كانتشار النار في الهشيم، فعدد الإعجابات (اللايكات) الإلكترونية على صورة عمل أصبحت معيار للفن, وثناءات مجهول لمبتدئة أضحى حجة لها بتمكنها وقدرتها الفنية, ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل تطالعنا بين فترة وأخرى مواقع التواصل الاجتماعي بعدد من المسابقات بين مبتدئات لأفضل فنانة سعودية أو أفضل عمل سعودي في أفضلية مبنية على وهم وتصويت الرفقة والأصدقاء بعيداً عن الفن والعمل الحقيقي فغدا العالم الافتراضي محركاً ومؤسساً لخواء فكري لدى جيل من المبتدئين لا يملكون الرصيد الكافي من القدرة الفنية والمعلوماتية ولا حتى المنجز الفني ويبرزون على أنهم رواد الفن التشكيلي وأفضل ما جادت به الساحة التشكيلية المحلية. ولم يقف الانفلات التشكيلي عند حد العالم الافتراضي، بل طالت آثاره الإنسحابية عدد من المتعاطين مع الساحة التشكيلية والذي عُرف عنهم براعة أعمالهم وجودة منجزهم ولكنهم وللأسف سقطوا في فخ المجاملات للأصدقاء والأقرباء عند تنظيم فعالية أو تحكيم مسابقة أوحتى الإشراف على مشاريع وطنية تمثل واجهة للوطن في منشأة أو مشروع فغلبوا الصداقة والقرابة وحتى الشللية والمناطقية والمصالح الشخصية على الفن دونما أي التفاتة للجوانب الفنية, وكان الأجدر بالأصدقاء الفنانين الحفاظ على جمال صورهم في فنهم وأبداعهم والبعد عن شبهات التنظيم والمجاملة. وفي صورة أخرى، من الانفلات التي تعانيه الساحة يأتي التدريب الذي أستسهله الكثير فغدت المراسم التشكيلية والتي تقدم الدورات أشبه بالصالونات النسائية وصراع الموضات في تنافس بين الفنانات فانتشرت بدون وعي ولا تصريح ولا تقنين ولا منهجية فهذه فنانة مبتدئة لم تتقن الظل والنور ولا التشريح والمنظور أصبحت مدربة وصاحبة مرسم يقدم دورات للفن التجريدي وتقدم دعم للمواهب الشابة على حد قولها وهو في حقيقته دفن وتظليل للمواهب وللفن, وهذه أخرى جعلت المكاسب المادية هي الهاجس فأصبحت تقدم دورات في الفن واللا فن وفي علم الطاقة والطبخ.... وكله باسم الفن... هذه بعضاً من صور الانفلات في الساحة التشكيلية المحلية ذُكرت ليس للحصر ولا التشهير أو الشخصنة ولكنها نماذج واقعية وغيرها الكثير... وأمام هذا الوضع القائم لابد أن يكون هناك حراك وتصحيح، وأن تقوم المؤسسات الثقافية المعنية بالفنون التشكيلية بدورها كنقابة للتشكيليين وحافظة لحقوقهم, تنظم أمورهم وتُمنهج خطواتهم، وتصحح أوضاع استشرى فيها الخلل تسن القوانين بمنهجية وتتابع تطبيقها وتضع ضوابط وتصدر تصاريح لمن يستحق أن يدرب وتبني قاعدة بيانات بالفنانين وفئاتهم وتتواصل فيما بينها لخدمة الفن والرقي بالفنان وتدعم العمل المؤسساتي وتؤسس له لكي ينتظم هذا الانفلات.