يرسي خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -متعه الله بالصحة والعافية- دعائم استقرار البلاد باختيار من ستوكل إليه مسؤولية الحكم في المستقبل؛ سعيا إلى الحفاظ على كيان هذه الدولة وحماية للوحدة واللحمة الوطنية، فقد رغب -حفظه الله- وولي عهده صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز في اختيار الأمير مقرن بن عبدالعزيز وليا لولي العهد ووليا للعهد في حالة خلو هذا المنصب، على أن يبايع ملكا للبلاد في حال خلو منصبي الملك وولي العهد في وقت واحد، وعرضت رغبة الملك وولي عهده على هيئة البيعة فحظيت بموافقة ثلاثة أرباع أعضاء هيئة البيعة وصدر بذلك أمر ملكي بتاريخ 26-5-1435ه. يمنح هذا القرار الملكي الأمان والشعور بالاستقرار في المستقبل والاطمئنان إلى أن سفينة البلاد تسير في طريقها بثقة وتماسك وتقودها خبرات سياسية وإدارية متمكنة تلقت دروسها الطويلة والمكثفة في مدرسة الحكم السعودي التي لا بد أن تمر فيها بمراحل طويلة ومتدرجة في صعود السلم؛ لتظهر الكفاءات المتميزة من خلال الاختبارات العديدة التي يمتحن فيها من توكل إليه مسؤوليات الإدارة، وتبدأ مرحلة إثر مرحلة إلى أن يقع عليه الاختيار للمشاركة في القيادة العليا لإدارة دفة الحكم في البلاد. وهذه هي المدرسة السعودية الفريدة التي يتخرج فيها القياديون من أبنائها صاعدين في مستوياتها من المسؤوليات الصغرى إلى الكبرى؛ وارثين كابرا عن كابر قيما ومفاهيم لا تعلم ولا تدرس في الأكاديميات؛ بل تكتشف من خلال الذكاء الفطري وكثافة التجربة وتعدد المواقف وتنوع بيئات العمل وتمايز الطبائع البشرية والتفاصيل الدقيقة في تقاليد كل بيئة ولهجات كل إقليم ومطالب كل منطقة. وهكذا ورثت المدرسة السعودية الممتدة خلال ما يقرب من ثلاثة قرون تقاليد الحكم السعودي الأصيلة القائمة على التعامل المباشر بين الحاكم والمحكوم بدون وسيط؛ وهي السياسة التي تلخصها المقولة الدارجة في العرف الإداري بسياسة الباب المفتوح. ومن خلال التمازج الفريد والتلاقي المباشر بين الحاكم والمحكوم تشكلت صلات عميقة خلال قرون هي القاعدة التاريخية التي بنيت من خلالها الدولة السعودية؛ باعتبار أن الطرفين السياسي والشعبي يشتغلان معا من أجل بقائهما قويين صامدين في وجه الأحداث والمتغيرات والأطماع السياسية الخارجية وغيرها، ومن خلال هذا العقد الاجتماعي المعاش غير المكتوب مخرت سفينة الوطن عباب الأمواج العاصفة حينا والهادئة أحيانا بقوة وثقة وتعاضد. وقد أثبتت قيم المدرسة السياسية السعودية في إدارة دفة الحكم كيف استطاعت أن تتجاوز المحن، وأن تصمد أمام العواصف العاتية والأحداث العالمية الكبرى في المحيط البعيد والمتضادات العربية في المحيط القريب؛ على حين منيت التجارب السياسية الثورية في كثير من أقطار الوطن العربي بالفشل الذريع، ودخلت بلدانها في حالات مريرة من الاحتراب الداخلي والتصفيات الدموية وانقطاع سلاسل الحكم فيها؛ فتعطلت فيها مشروعات التنمية وسخرت القدرات المادية لا لتطوير وتيسير وتمدين تلك الأقطار؛ بل لامتلاك القوة من أجل فرض مزيد من الهيمنة على تلك الشعوب، ولن يغيب عنا الحال المرير الذي تعيشه شعوبنا العربية في تلك الدول التي كانت تنعتنا أنظمتها الثورية بالبداوة والتخلف؛ فسارت خطانا المتئدة بثقة وهدوء وبصيرة لتتجاوز التحديات المختلفة حتى تحقق لنا بفضل الله ثم بفضل القيادة السياسية الحكيمة والمعتدلة في مواقفها الداخلية والخارجية ما تحقق من تقدم ونجاح على مستويات مختلفة. أما الأنظمة العسكرية المستبدة التي كانت تزعم التمدن والتقدم وتعنتنا بالرجعية فمآلاتها لا تخفى الآن على أحد في العراق وسوريا وليبيا ومصر واليمن. يشارك الأميز في المدرسة السعودية وفق ميزات الكفاءة والصلاح والخبرة في حمل بعض المسؤوليات ثم في استلام المسؤولية كاملة بسلاسة وهدوء وثقة لتضرب بلادنا المثل والنموذج الأفضل وسط أمواج الصراعات والانقسامات الحزبية التي تعصف ببلدان المنطقة العربية. وقد اكتسب الأمير مقرن خبرات كبيرة في كل المواقع العملية التي مر بها، وعرف عنه اللطف والتواضع الجم والابتسامة الدائمة.