الاقتصادية - السعودية السياسة في العالم العربي.. كقيادة سفينة في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج.. الكثيرون يستبسطون "الحكم" على أنه مجرد تربع على الكرسي وإصدار الأوامر.. قلة من الناس تدرك أن السياسة هي قبل كل شيء "قيادة".. أن تقود أمة أمر ليس بيسير .. أن يتبعك الناس، معادلة ليست سهلة.. فلا الأضواء أو الأموال أو الشهرة أو "تويتر" يمكن أن يجعل منك قائدا؛ لأن القيادة سمات لا بد أن تتوافر لمن يراد له أن يشغل منصبا قياديا. ومع التغييرات السياسية التي أقرها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز منذ توليه – يرعاه الله – الحكم، بدءا من تشكيل هيئة البيعة، وتنصيب كبار المسؤولين في الدولة، إلى تعيين الأمير مقرن بن عبد العزيز وليا لولي العهد مع استمراره نائبا ثانيا لمجلس الوزراء ومبايعته وليا للعهد أو ملكا في حال خلو المنصبين، تكون السعودية قد عززت أسس الاستقرار في بيتها السياسي بعيدا عن التخرصات التي نسمعها هنا أو هناك. فمن النكسة، وحرب أفغانستان، والحرب العراقية الإيرانية، إلى غزو الكويت، وحرب الخليج الأولى، ومؤتمر مدريد للسلام، مرورا بسقوط حائط برلين، وانهيار الاتحاد السوفياتي، وصراعات البلقان، وأزمات الشرق الأوسط، و11 سبتمبر، وحرب الخليج الثانية وغزو العراق، والأزمة المالية العالمية، وليس انتهاء بثورات الربيع العربي. في كل هذه الأحداث الجسيمة كان عبد الله بن عبد العزيز خلال حياته السياسية، وبما يملك من خبرة، رجلا مؤثرا وشاهدا على تحولات غيرت مجرى تاريخ العالم والمنطقة العربية، ولذلك يدرك أن الاستقرار لا يتحقق إلا بجملة عناصر منها تمكين الشباب، وتهيئة الصف الثاني من القادة. وسوف يحسب التاريخ لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز أنه – رعاه الله - رتب الكثير من العناصر في البيت السعودي على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي، والبعض من هذه الترتيبات لن يشعر السعوديون بآثاره إلا بعد سنوات، لأنها ترتيبات تستهدف المدى البعيد الذي لا يدركه أصحاب النظرة القصيرة. الدول الناجحة تكفل ضمان استمرارية الحكم بتهيئة الخلفاء فتسارع إلى الإعلان عن المرشحين لخلافة المناصب القيادية المؤهلين وفق آلية منظمة في الاختيار والتعيين، وعدم الإعداد للخلفاء يؤدي إلى "فراغ السلطة"، وهذه كارثة تؤدي إلى مصائب لا تنتهي، ولنا عبرة في دول عربية كانت آمنة مطمئنة ثم دخلت في دوامة الفوضى السياسية بعد أن كانت تنعم بالاستقرار لعقود عديدة. إن تعيين الأمير مقرن بن عبد العزيز وليا لولي العهد مع استمراره نائبا ثانيا لمجلس الوزراء، ومبايعته وليا للعهد أو ملكا في حال خلو المنصبين هي خطوة تؤكد رهان القيادة السعودية على القيادات الشابة وتمكينها في المستقبل من إدارة شؤون البلد ومؤسساته، في مكان يشكل الشباب نسبة كبيرة من تعداد سكانه. والمستقبل يحتم علينا "تمكين الشباب" لكي يسيروا على النهج الذي خطه الكبار المؤسسون بمداد من الحكمة، و"تمكين الشباب" يعني منح الثقة وإتاحة الفرصة لهم لإدارة المؤسسات الوطنية وتشغيلها. فكل التوفيق والنجاح نتمناه للأمير مقرن بن عبد العزيز في مهامه الجديدة؛ فقد عرفناه منذ أن كان أميرا لمنطقة حائل، رجلا مثقفا وكريما ومتواضعا قريبا من قلوب الناس وهمومهم.