لكل مبدع في هذه الحياة آلية وطريقة مغايرة عن الآخر في إنتاج إبداعاته أكانت أدبية أو فنية أو حتى اختراعات علمية، وكثيرًا ما نتساءل في ذواتنا كيف قام هذا المبدع أو ذاك بأعماله الإبداعية التي أذهلت الرائي أو القارئ لها، وأود هنا أن أهيم بالعوالم الفسيولوجية في الإبداع لدى الفنان التشكيلي. الإلهام هذه الهبة الربانية المحفزة لكل مبدع على الأرض هي الأيقونة اللا معقولة التي تفوق مدارك العامة من الناس توصف بالعلامة الفارقة بين الإنسان العادي والإنسان المبدع منها أي المبدع يستلهم أفكاره الإبداعية التي تُبهر كل رَأي وقارئ لأي منجز تشكيلي ويرتكز الإلهام على الذاكرة البصرية لدى الفنان فالذاكرة بصفة عامة أرشيفا يخزن بها كم هائل من تذكارات ووقفات حياته وقراءته بيد أن استرجاع الذاكرة وتأملها هو عبارة عن مهارة ذهنية لمعالجة المعلومات، سواء كانت مصورة أو سمعية أو مقروءة يستعين بها العقل بالربط والتحليل فتبرز أيقونة التخيل لديه أي المبدع لكي تكون استنتاجاته ورؤياه مبنية على خبرات ومعطيات حياته من هنا تولد الفكرة لدى المبدع هذه الولادة للفكرة وظهورها، هي جدلية قديمة حول خفايا النفس البشرية بإدراكاتها الباطنية اللا مرئية فتكون بمثابة الضوء في عالم العتمة فهي مزيج بين حالتي الوعي واللا وعي بالمنتج الإبداعي فيكون المرسم والعزلة هو المكان والبيئة الخصبة لإنتاج العمل التشكيلي ولكل فنان مرسمه الخاص به أي أنه يحيا بمكان ذي عزلة منفصل عن روتين الحياة وتسارعها، حيث يلجأ بحكم ذاتي انفرادي كحالة معتقل أجبر بكل رضى وسعادة على تنفيذ عقوبة محببة إليه ليقوم بطقوسه الخاصة فينتج أعماله التشكيلية هذا المرسم أو المعتزل إن جاز التعبير الذي ينشده الفنان بين الفينة والأخرى هو مجرد مقدمة لحالة أعمق وأبعد من واقع حياته أو مساحة مرسمه، فغايته المنشودة هنا أن يتجرد من ذاته وجسده ويكون حالة استثنائية فكرية ليرتقي لمرحلة اللاوعي بالوعي فيجتاز بها كل الحدود المنطقية والحسابات الملموسة، فتكون جدران مرسمه فضاءات لا متناهية وأرضها كغيمة يمتطيها ليحلق بأجنحة الألوان فترتسم وراءها خيوطا من الزمن تكون فاصلة بين الأرض السماء. وهنا تظهر ملكة الإبداع بعمل لا معقول أي أنها (شطحة) في عالمنا العادي أو ما تسمى اللوحة التشكيلية. [email protected] twitter@jalalAltaleb - فنان تشكيلي