في بلدان المسلمين من يصر على مطالعة حظه في باب «حظك اليوم» في جريدته اليومية، بل إن كثيراً من هؤلاء يؤخر القرارات المهمة في حياته انتظارًا لما يقول له المنجمون في هذا الصدد، أما في الغرب -موطن العقلانية كما يدعوّن- فالمنجمون أصبحوا نجوم المرحلة وأزاحوا القساوسة من طريقهم، حتى إن الرئيس الفرنسي له منجمة تعمل معه ضمن فريق العمل السياسي، وربما كانت استشارتها أهم عنده من آراء خبرائه، ترى هل يحدث هذا في عصر العلم، وتنتقل الظاهرة إلى المسلمين الذين يعرف صغيرهم قبل كبيرهم أن ارتياد المنجمين وتصديقهم كفر صريح بنص حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-. أصبح المنجمون يعلنون عن أنفسهم في المجلات والصحف ووسائل الإعلام وحتى قنوات تلفازية خاصة بالتنجيم، فضلاً عن توصيل خدمة التنجيم هاتفيًا أو بالفاكس والبريد في بعض الأحيان. دفعت رغبة البعض في الثراء السريع، ومضاعفة ثرواتهم بعض الدجالين للعب على هذا الوتر الحساس، ومحاولة إقناع أصحاب الأموال أنهم قادرون على مضاعفة مدخراتهم! أو تحويلها إلى دولارات أمريكية تصرف بسعر أعلى! وكان أحد أصحاب محلات الحلويات الشرقية الشهيرة المصرية -له عدة فروع- أحد ضحايا هؤلاء النصابين الذين أوهموه بقدرتهم على تحويل أي مبلغ بالعملة المصرية إلى دولارات مع نسبة عمولة لهم! ولولا أن الشرطة المصرية ألقت القبض على هؤلاء الدجالين الذين أوهموا الرجل على قدرة الجان على تحويل هذه الأموال لدولارات لضاع عليه المبلغ! لو قلنا إن هذا يحدث للجهلة والعامة غير المتعلمين، وفي عصور قديمة، فماذا نقول حين نعرف أن هناك مواقع على الانترنت مخصصة لهذا الدجل، وفي كل يوم جديد يتم تدشين مواقع جديدة على الشبكة العنكبوتية خاصة بقراءة الكف والأبراج، ويصل الأمر لحد دعوتك لرؤية الأشباح! المشكلة أن الكثيرين يلجؤون إلى المنجمين في البداية كنوع من اللهو والتسلية، ولكنه سرعان ما يتحول الأمر إلى يقين وعقيدة لديهم، تضيع معها ثقافتهم الدينية، وتحل محلها الخرافة، حتى إن بعضهم لا يتحركون إلا بعد معرفة حظهم اليوم! وهل سيكون خيراً أم شرًا؟! والبعض قد يتشاءم أو يتفاءل بفعل هذه الأبراج، كما أن دخول وسائل الإعلام والأفلام العربية في الترويج لهذه الأبراج وضرب الودع وربطها بالمستقبل يزيد تأثير هذه الوسائل، ويجعل من يلجئون إلى هذه الوسائل يربطون حياتهم بها. قضية الدجل والشعوذة ليست مسئولية الأجهزة الأمنية فقط، وإنما هي مسؤولية جميع الجهات ذات الصلة التي ينبغي أن تتكاتف لمواجهتها، وبخاصة أجهزة الإعلام وعلماء الدين، فلا بد من توعية المواطنين، ولا بد من إبراز رأي الدين في مثل هذه الخرافات، وإن إتباع خطوات المشعوذين يعد مخالفة لتعاليم الدين الإسلامي الحنيف، هذه الرغبة الجامعة في معرفة الغيب جعلت البعض يتجه إلى المنجمين فتؤكد الدراسات النفسية أن الانسياق وراء التنجيم يبدأ لدى الشخص بمجرد اهتمام ينبع من موقف اجتماعي معين حيال الأشياء، وسرعان ما يتحول إلى اتجاه ومن ثم إلى سلوك، وهنا تكمن الخطورة عندما يسيطر على سلوك الفرد هواجس وتفكير سلبي، يؤثر في تحديد تصرفاته وأعماله، فمثلاً قد يعتزل الناس والمجتمع، لأنه عرف من قراءة الطالع أنه سوف يصاب بمرض خطير أو أن أجله قد اقترب، وقد يمنعه هذا الخوف من العمل والحياة الإيجابية، وقد يمتد هذا الخوف لسنين طويلة تؤثر على حياته كلها، لأنه أصبح أسيرًا لهذه المحاذير التي استمع إليها من المنجم. إن العلاج يكمن في تنمية الجانب الروحي لدى الإنسان وتعميق إيمانه وربطه بمعايير الدين الصحيح الذي يرفض الخرافة، ولا يرضى لأتباعه أن ينزلقوا إلى هاوية الدجل.! وسؤال قد يغيب عن أذهان رواد هؤلاء المشعوذين! وهو إذا كان لديه القدرة على كشف الكنز واستخراجه فلماذا لا يستخرجه لنفسه!؟