* بين عائلة (جميل) الرياضيَّة.. ونادي الاتحاد الثمانيني.. علاقة كيميائية عمرها أكثر من سبعة عقود زمنية، والثلاثي الأشقاء (عبد العزيز، وعبد الله، وعبد اللطيف).. والدهم الشيخ حسين جميل محمد سعد الدين السعدي هو كبير عائلة جميل، يعدّون من المؤسسين للنادي الجداوي المخضرم الاتحاد.. ومن رجالاته الأوفياء الذين عايشوا أبرز مراحل البناء لعميد النوادي.. خصوصًا شقيقهم الأكبر عبد العزيز، الذي تقلَّد الرئاسة قبل ما ينيف عن نصف قرن من الزمن. عبد العزيز جميل (رئيس رؤساء الاتحاد) * عبد العزيز جميل رجلٌ موسرٌ ولد بمدينة جدة في عام 1329ه (1909م). * كان يعمل في البندول (جمرك الدخان)، ثمَّ نقل إلى وظيفة مدير أموال جيزان، ثمَّ مدير أموال الأحساء. * أحد أبرز المؤسسين لنادي الاتحاد بجدة ولقد حضر غرفة اللا سلكي المطلة على ملعب الاتحاد، التي اجتمع فيها المؤسسون ليقرِّروا تأسيس الاتحاد وكان أكثر المُتحمِّسين لتأسيس النادي. * ترأس مجلس إدارة الاتحاد في مراحله الأولى لفترات متقطعة تربو على العشرين عامًا. * سافر إلى القاهرة وأقام فيها لسنوات بعد أن استقال من نادي الاتحاد، وتقاعد من كل الأعمال العامَّة والخاصَّة. * التقيت به في بيته الفخم بالكيلو اثنين طريق مكة، أمام كوبري الملك خالد مباشرة، وكان العم عبد العزيز يسمي هذا البيت الوثير باسم «جيزان»؛ لأنّه عمل لفترة - كما أشرنا - مديرًا لماليَّة جيزان، وطرقت الباب فخرج لي خادمه «صبيه» الخاص، وقال: من تريد؟ قلت: أريد العم عبد العزيز، فقال: من يريده؟ قلت: أنا أمين ساعاتي لاعب في نادي الاتحاد وصحفي رياضي. فغاب الصبي في الداخل، ثمَّ عاد وكأنه مستعجل، وقال لي: تفضل، وأدخلني على صالون واسع مليء بالأرائك الوثيرة.. تتوسطه ثريا ضخمة تتدلى من قلب السقف السابح في الفضاء وتنزل نحو الأرض تقترب من رؤوس الشامخين. * قلت للصبي: كيف حال العم عبد العزيز؟ فقال: طيب بس عيونه تعبانة، وعنده شقيقه الأصغر العم عبد اللطيف جميل وكيل سيَّارات تويوتا. * قلت: ولكن أنا أبغاه يرغي كثيرًا بلسانه لا بعينيه.. أبغى أتكلم معاه كثيرًا.. يعني أبغى مزاجه يكون حاضرًا ورائقًا. فقال: هو يحب الكلام في موضوعين نادي الاتحاد والأدب والشعر. * قلت وكأنّ الفرح قد ركبني نتحدث عن الاتحاد والرياضة، أما الأدب والشعر فنتركه هنيهة، أنا جئت من أجل أن نتحدث عن الاتحاد. * وقبل أن أكمل كلامي قطعت حديثنا إطلالة العم عبد العزيز، حينما أخذ يمشي الهوينا ويقترب من الصالون وعيناه تحملقان في الأرض.. تبحث عن طريقها من خلال نظارة داكنة السواد، إننى لا أرى العينين وإنما أرى نظارة سوداء تحتل نصف وجه الرجل الزعيم! * وقبل أن يصلني تقدّمت إليه وأقرأته التحية وقلت له: كيف الحال؟ * فقال في اقتضاب: أحمده تعالى في كلِّ الأحوال، ويبدو أن العم عبد العزيز جميل كان يشكو من اعتلال صحي في العينين وربما في مناطق أخرى من الجسم الذي كدَّه تعب السنين. * ولكنه واصل حديثه قائلاً: كيف حال الوالد؟ أنا أعرف أباك وأسمع عنك، لأنني لم انقطع عن الاتحاد. * ثمَّ قال: ما أخبار الاتحاد؟ * قلت: أخباره تسر، ولكنه يعاني من كبوة جواد في هذا الموسم.. * قال: هل هناك أسباب معروفة لهذه الكبوة. قلت: الحديث يطول، وأنا لا أريد أن أتكلم وإنما أريدك أن تتكلم أنت. أنا الذي أريد أن أسألك عن الاتحاد، أرجو أن تقص علي قصة تأسيس نادي الاتحاد، فأنا سمعت القصة من عدد من المؤسسين مثل عبد الله بن زقر وعبد الرزاق عجلان وحمزة فتيحي، والآن أريد أن أسمع القصة من عبد العزيز جميل. * فتنهد عبد العزيز جميل قبل أن يستعيد الذكريات البعيدة، وقال: القصة يطول شرحها والذاكرة فرّطت في كثير منها ولكن باختصار سمعنا عن خلاف حول رفض لاعبين بعينهم، وكنت ومعي بقية الإخوان الذين ذكرتهم نرفض أيّ نوع من أنواع التمييز بين اللاعبين وقلت: كلّنا سواسية كأسنان المشط، ولكن ما حدث أن الطرف الآخر كان مصرًا على موقفه فقرَّرنا أن نجتمع في غرفة اللا سلكي، التي كانت تقع أمام الملعب. * لماذا الاجتماع في غرفة اللا سلكي؟ * علشان نضمن حضور أكبر عدد ممكن والموقف لا يتحمل التأجيل، وفعلاً اجتمعنا وقرَّرنا أن نؤسس ناديًا باسم الاتحاد، وقد كان. * هل التقيتم مع فريق الحجاز الرياضي؟ * أذكر أننا التقينا وفزنا عليهم، وكانت هذه المباراة القاضية بالنسبة لهم، ولذلك ساد الاتحاد واختفى الحجاز الرياضي من الوجود. * ألا تعتقد أنك يا عم عبد العزيز اختصرت القصة أكثر من اللازم؟ * بعض التفاصيل الأخرى ذهبت أدراج الرِّياح، إحنا كبرنا ولا نذكر كل شيء، ولذلك أخشى أن أجور، ولذلك اكتفي بما قلت. * طيب لماذا ومتى انسحب عبد العزيز جميل من الاتحاد وقرَّر اعتزال الرياضة، وما قصة أول كأس يحصل عليها الاتحاد في عام 1372ه أثناء رئاستك؟ وقال: - لا لم تكن أثناء رئاستي، ولكن كنت موجودًا أكثر من الرئيس، ولذلك ظنّ الناس أننى الرئيس، جاءت فكرة هذا الكأس والأندية في سباق حول استقدام اللاعبين من الخارج، ولكم حذّرت الأندية، ولكن دون جدوى، ولم يكن أمامي خيار يومذاك إما أن أترك الأندية تهزمني أو أن أجاريها. وفعلاً جاريتها ولعبنا في المباراة الختامية في هذا الدوري أمام الثغر (الأهلي حاليًا).. وكسبنا 2 - 1، وبعدها قرَّرت الاعتزال وسافرت إلى القاهرة ومكثت فيها سنوات. هذه هي القصة باختصار شديد. * من الأشياء التي نذكرها أنك كنت عضوًا في اللجنة التي كانت بمثابة أول مجلس إدارة للاتحاد السعودي لكرة القدم التي تَمَّ تشكيلها في عام 1374ه؟ قال: - هذا صحيح، وهذه هي البداية الحقيقية لتأسيس الاتحاد السعودي لكرة القدم، أقصد الاتحاد السعودي لكرة القدم وليس نادي الاتحاد، نادي الاتحاد تأسس في عام 1347ه. * وهل هناك إمكانية أن يعود عبد العزيز جميل إلى نادي الاتحاد؟ فقال: - بعد أن زفر زفرة عميقة: خلاص تركنا الاتحاد للشباب الصغار أمثالك.. إحنا يا ابني كبرنا ولا نستطيع أن نقدم للاتحاد ما يقدمه اليوم شباب الاتحاد.. إحنا عملنا الواجب، وأنتم الآن عليكم واجب وطني ورياضي كبير. * قصة جداوي يعشق البناء في رمال الوطن!! وبيت جميل لم يفرز فقط عبد العزيز جميل وعبد اللطيف جميل، ولكنه دفع حاليًّا بالمهندس محمد بن عبد اللطيف جميل ليقود إمبراطورية جميل التجاريَّة. وفي حفل أقامه الصديق الأستاذ أحمد فتيحي في قاعة ليلتي قابلت المهندس محمد عبد اللطيف جميل، وقلت له: نادي الاتحاد يمرّ بأزمة ويحتاج إلى واحد من بيت جميل يخرجه من أزمته بعد أن أخرجه عبد العزيز جميل في السابق من أزماته، فقال محمد جميل: أنا رجل مشغول جدًا وإذا قبلت رئاسة الاتحاد فإنني أظلمه، ولكن أرشح ابن عمي غازي بن عبد العزيز جميل كي يكون رئيسًا للاتحاد، وسوف نكون معه وندعمه. قلت لمحمد عبد اللطيف جميل: أنا لا أقلل من كفاءة غازي ولكن الاتحاد يحتاج إلى قائد سفينة مجموعة عبد اللطيف جميل؟ ولم يرد على سؤالي الملح، ولكنه اختتم حديثه بقوله: - نحن نعد لمفاجأة رياضيَّة سوف تثلج صدر كل الرياضيين وليس فقط جمهور الاتحاد. وفي عام 1434ه فوجئنا بشركة عبد العزيز جميل وهي تكسب صفقة رعاية دوري عبد اللطيف جميل، أنّه عمل المدير الفعَّال المبتكر صاحب الحلول غير التقليدية!! إن مؤسسات التنمية في الدول المتقدِّمة تتعامل مع المقولة التي تقول: إن عناصر بناء الوطن هي من عناصر بناء أشخاص الوطن، ولذلك يعنى الباحثون في هذه الدول بدراسة الشخصيَّة الإنسانيَّة بهدف الرغبة في الوصول إلى مكامن الموهبة البشرية لصقلها وتوظيفها من أجل نماء وبناء الوطن، وذلك انطلاقًا من أن الإنسان هو معرفة وطنيَّة، فإذا تعرفنا على مواهب أبناء الوطن.. تعرفنا على الوطن بأكمله. وإذا كان للوطن بساتين وحدائق، فإنَّ الزهور والورود والرِّياحين كثيرة في بساتين الوطن، ويُعدُّ رجل الأعمال الوجيه محمد عبد اللطيف جميل واحدًا من تلك الزهور التي تفوح عطرًا وخيرًا ورجاءً في أرجاء مُتعدِّدة من هذا الوطن الأغر. إن محمد عبد اللطيف جميل الإنسان الخيّر يتمتع بقوام فارغ ورجولة طاغية، وترى في ملامح وجّهه كل صفات الطيبة، فجبهته التي تعلو وجّهه الطيب تبدو عريضة كما الخير، تهبط إلى حاجبين رفيعين لقوسين من تاريخ مهم، وأنفه المدبب يقف على شارب رفيع محلوق تركبه نظارة تكبر أمامه طريق المستقبل، وأذناه الأنيقتان تتميزان بموهبة الاستماع والإنصات الجيد، وعيناه الضيقتان تزدحم فيهما المشروعات الخيريَّة المطلة على حقول خضراء مترامية في أطراف الوطن، وهكذا فإنَّ الرجل يبدو وكأنه تجسيد لملامح عصر ندي من أنقى عصور هذه المملكة الفتية. بمعنى أننا نرى في شخص محمد جميل نقاء الماضي ونخوة الحاضر وحلم المستقبل. وقصة بيت جميل من القصص التي تروى وتحكى، فبيت جميل لم يكن من البيوت الجداوية الثرية كبيت زينل وبيت باناجة وبيت قابل وبيت الزاهد وبيت البترجي وبيت باعشن وبيت ابن محفوظ وبيت الجمجوم وبيت نصيف، بل كان بيتًا متواضعًا يتألف من الأشقاء عبد العزيز وعبد اللطيف وعبد الله، وكان الإخوة الثلاثة- منذ نصف قرن ونيف- موظفين أو باحثين عن وظائف لا تتجاوز رواتبها المئة ريال في الشهر.!!! كان عبد العزيز جميل الشقيق الأكبر يعمل كما أشرنا في جمرك الدخان (البندول)، وكان شقيقه عبد اللطيف جميل يشق طريقه خلف أخيه الأكبر الذي كان يرتبط بعلاقات قريبة وحميمة مع الملك سعود بن عبد العزيز -رحمه الله-، وحدث أن التقى عبد اللطيف جميل مصادفة بمندوب من شركة تويوتا كان يبحث عن وكيل لسيَّارات تويوتا في المملكة العربيَّة السعوديَّة، وكانت صناعة السيَّارات اليابانية قد بدأت لتوها تبحث عن مواقع قدم لها في أسواق دول الشرق الأوسط، ورحب عبد اللطيف جميل بالرغبة اليابانية، ولكنه اعتذر لأنّه لا يملك رأسمالاً يستطيع به أن يغطي خطابات اعتمادات كبيرة لاستيراد السيَّارات. ولكن المندوب الياباني الذي ارتاح للشيخ عبد اللطيف جميل فتح له خزائن الثروة والثراء، وقال له: لا نريد مالاً ولكن نريد رجالاً يضعون هذه السيَّارات في قلب سوق المنافسة، ونحن نتوخى أن يكون السوق السعودي- في المستقبل القريب- من أضخم أسواق السيَّارات في المنطقة، في ذلك التاريخ كان اليابانيون يبحثون فقط عن موقع قدم أمام رتل من السيَّارات الأمريكية واليابانية والبريطانية التي كانت تحتل السوق السعودي بالطول والعرض.. واضح أن المسألة لم تكن سهلة كما كان يتصورها عبد اللطيف جميل، وإنما كانت تحديًا يستهدف المنافسة مع الكبار في سوق لا يعرف أيّ شيء عن صناعة السيَّارات اليابانية، وشاء الرزاق الكريم أن يكون عبد اللطيف جميل هو الإرادة القوية التي استطاعت بمشيئة الله أن تؤسس لسوق السيَّارات اليابانية في السعوديَّة وفي منطقة الخليج بأسرها، بل شاءت إرادة الله أن يضع عبد اللطيف جميل السيَّارات اليابانية في سوق المنافسة الضارية جنبًا إلى جنب مع السيَّارات الأوروبيَّة والأمريكية.