هذا الكتاب النفيس طبقت شهرته الآفاق بأنه العمدة في الفتوى والقضاء لدى متأخري الحنابلة، وأكد هذا علماء الدعوة النجدية وآخرهم وخاتمة المحققين سماحة الشيخ المفتي الأكبر محمد بن إبراهيم آل الشيخ مفتي الجزيرة العربية رحمه الله. ولقي الكتاب قبولاً، وشرحه مؤلفه بشرحه النفيس الذي يكفي عن غيره من الكتب ولا يكفي غيره عنه، وقد تأخر خروج هذا الشرح وطبعه مع أن الحاجة ماسة إليه، حيث قام بتحقيقه معالي الدكتور الشيخ عبدالملك بن الشيخ عبدالله بن دهيش، وأقول تأخر خروجه وذلك لانصراف الناس عن المذهب وانتشار دعوى الاجتهاد عند كل من هب ودب، حيث يرجعون إلى الكتاب والسنة مباشرة كما يدعون، وأن عملهم هذا هو عمل بالدليل ولو كانوا يعون ما يقولون لهان الأمر، ويكفي مؤلف الكتاب شهادة رجل عاصره ويخالفه مذهباً ومشرباً، ألا وهو الإمام عبد الوهاب الشعراني رحمه الله، حيث ترجم له في ذيل طبقاته، وذكر بأنه رافقه أربعين عاماً فلم ير عليه ما يشينه. أقول تخيل أربعين عاماً وبعض المعاصرين يقول (الشعراوي) وفي هذا تدليس هم في غنى عنه. أقول هذا الكتاب اهتم به شيخ مشايخي العلامة الفقيه المحقق المدقق الشيخ محمد بن عبد العزيز بن مانع رحمه الله، المتوفى عام 1385ه وطبع على نفقة الحكومة القطرية آنذاك، جعل الله ذلك في موازين أعمالهم وقام بتحقيقه العلامة الأصولي الشيخ عبدالغني عبدالخالق من علماء الأزهر الشريف رحمه الله، وهو أصولي أكثر منه فقيهاً، وقد ظهر جهده واضحاً بارزاً للعيان، إلا أنه لم يخل من نقص وخلل، وذلك لأن الشيخ عبدالغني - رحمه الله - ليس حنبلياً، وصاحب الدار أدرى بما فيها، وأهل مكة أدرى بشعابها، ولكن جهده اللغوي يذكر فيشكر، وإنكار جهوده من المنكر، ثم طبع بتحقيق معالي الدكتور الشيخ عبدالله بن عبدالمحسن التركي في مجلدين خفيفين، علق عليه بعض الحواشي التي تفك مغلقه، لكن هذه الطبعة فيها سقط كثير، يسّر الله للأخ الفاضل النبيل الشيخ مبارك بن راشد الحثلان من أهل الرياض وصاحب الموقع المعروف رواق الحنابلة فعقد العزم وأخبرني بأنه في نية إخراج الكتاب سالماً من أخطاء الطبعتين السابقتين، ولقد كنت والله أشفق عليه ولكنه أثبت أنه على قدر المسؤولية، فحين كنت في زيارة للكويت في آخر شعبان أنا وأولادي في زيارة خاصة فوجئت بالكتاب في مكتبة غراس في مجلد كبير، فاستعرضته فتيقنت أن هذه الطبعة أحسن الطبعات وأتقنها؛ حيث بين أخطاء الطبعتين السابقتين، فهمة الأخ مبارك همة عالية، حيث سبق له تأليف نظم في المذهب أجاد فيه وأفاد، وينطبق عليه قول الشاعر: من لي بمثل سيرك المدلل تمشي أخيراً وتجي في الأول فلعلو همته ذهب إلى دار الحنابلة دوما ورحيبة في الشام وأجازه علماء الحنابلة، وفي مقدمتهم العالم الجليل الشيخ محمد بن الشيخ حسن الشطي، فهو الذي أشرف على عمله وقدم له، وآل شطي انتهى إليهم فقه الحنابلة في الشام وفي غيرها، فجده الشيخ حسن صاحب الحواشي على غاية المنتهى المسمى (منحة مولى الفتح في تجريد زوائد الغاية والشرح) الشرح مطالب أولي النهى. أقول إن أخي الشيخ مبارك اسم على مسمى، بارك الله فيه، فقد قابل الكتاب على عدة نسخ وصحح واستدرك ما فات على سابقيه في التحقيق، فجاء الكتاب في مجلد كبير في 1038 صفحة.