ذكرنا في الحلقة الماضية ما قاله المستشرق (سادلير) عن الحرب بين أهل الرس وإبراهيم باشا وهنا نكمل ما تبقى من حديث سادلير: ذكر سادلير (ص 395) عن اتخاذ عبد الله بن سعود الرس معسكراً لحرب مطير قال (وفيها أي سنة 1229ه آخر رمضان سار عبد الله بن سعود بجميع المسلمين من أهل نجد الحاضرة والبادية وقصد القصيم فأقام فيه مدة قرب الرس. ثم إنه جهز جيشاً أغار على عربان بريه والجبلين المعروفين من مُطير فأخذ مواشيهم). ثم قال (ص399) في أحداث سنة 1230ه (ورجع محمد علي إلى مصر لما بلغه من اختلاف وقع فيه من الغزو رؤساء دولته. وفي مسير محمد علي هذا إلى تهامة وابنه أحمد طوسون في المدينة النبوية يجهّز العساكر إلى نجد وأرسل إلى أهل الرس وأهل الخبرا القريتان المعروفتان في القصيم وكاتبوه، فأرسل طوسون إلى العسكر الذي في الحناكية وأمرهم أن يسيروا إليهما، فساروا إلى القصيم وأطاع أهل الخبرا والرس فدخلوهما الروم واستوطنوهما. واستولوا على ما فوقهما من القصيرات والمزارع مثل ضرية ومسكة والبصيري ونجخ المعروفات (128/ب) في تلك الناحية. وثبت بقية بلدان القصيم وحاربوا الترك. فلما بلغ ذلك عبد الله بن سعود استنفر جميع المسلمين من أهل الجبل والقصيم ووادي الدواسر والأحساء وعُمان. وما بين ذلك من نواحي نجد، فخرج من الدرعية على استهلال جمادى الأولى واجتمع عليه المسلمون ونزل المذنب القرية المعروفة في القصيم. ثم رحل منه ونزل الرويضة المعروفة فوق الرس فقطع منها نخيلاً ودمّرها وأهلك غالب زرعها وأقام عليها يومين، فخرج عسكر الترك من الرس وحصل رمي المدفع من بعيد ولم يقاربوه. ثم ذكر لعبد الله عربان مجتمعون من بوادي حرب ومطير نازلين على البصيري الماء المعروف في عالية نجد. فرحل من الرويضة وقصدهم. ثم بلغه في أثناء طريقه أنّ أحمد طوسون وعسكر الترك أقبلوا من المدينة ونزلوا الداث الماء المعروف قرب بلد الرس، فحرف عبد الله جيوش المسلمين وأراد أن يبغتهم على ذلك الماء ويناجزهم فإذا هم قد رحلوا من الداث وقصدوا الرس، فأمر عبد الله على شوكة أهل القصيم أن يرجعوا وينزلوا عند بلدانهم، لئلا يقع خلل فيها، فأغار على أهل البصيري ودهمهم وأخذ محلتهم وأمتعتهم وأغنامهم، وكانوا قد هربوا بالإبل وزبنوها، ثم ذكر له عسكر من الترك على البعجاء قرب البصيري نازلين عليه قاصدين الرس. فقصدهم عبد الله فلما علموا به العسكر دخلوا قصر البعجاء وتحصّنوا به فحشدت عليهم الجموع وثلموا جدار القصر وتسوروه عليهم وقتلوهم أجمعين. وهم نحو مائة وعشرة رجال كلهم من رؤساء الترك وآغاواتهم. ثم رجع عبد الله من البعجاء ونزل قصر المذنب وكان طوسون قد استوطن الخبرا وأرسل عسكراً ونزل الشبيبية المعروفة بين عنيزة والخبرا ومعهم بوادي حرب. وقد أراد طوسون أن يرحل بعدهم من الرس وينزل عنيزة «فلما علم بذلك» عبد الله رحل من المذنب، ونزل عنيزة وأميرها يومئذ من جهة عبد الله (129أ) إبراهيم بن حسن بن مشاري بن سعود، فأقام عبد الله في عنيزة أياماً وهو يبعث السرايا على الترك والبوادي الذين في الشبيبية ويَشُنّ عليهم الغارات فضيقوا عليهم وندم كثير من أهل الرس على إطاعتهم الترك وانحاز عدة رجال منهم إلى الشنانة النخل المعروفة فوق الرس وصاروا في قلعتها، فسار الترك إليهم وحاصروهم أشد الحصار ورموهم بالمدافع والقنابر فثبتوا وقتلوا من الترك عدة قتلى، ورحلوا عنهم ورحل العسكر والبوادي الذين في الشبيبية وانهزموا إلى الرس. ثم رحل عبد الله بن سعود من عنيزة ونزل الحجناوي الماء المعروف بين عنيزةوالرس، واحتصر الترك في الخبرا والرس، فأقام عبد الله ومن معه من المسلمين على الحجناوي قريب شهرين يصابرون الترك، ويقع مقاتلات ومجاولات بينهم من بعيد، ثم إنّ الله سبحانه وتعالى ألقى الرعب في قلوب الترك وجنحوا للسِّلم. وذلك أنه أقبل ثلاث ركايب عليها ثلاثة رجال، رجلين من حرب ومطير رجل من رؤساء الترك بالأمر لطوسون بالمصالحة. فوقعوا في قوم عبد الله يحسبونهم عسكر الترك، فأخذهم رجال وأتوا بهم عبد الله فضرب عنق الرجلين وأظهر التركي كتاباً معه وأنه أتى للمصالحة، فأكرمه عبد الله وأرسله إلى أصحابه فوقع الصلح بينهم. وانعقد بين طوسون عبد الله على وضع الحرب بين الفئتين. وأنّ الترك يرفعوا أيديهم عن نجد وأعمالها وأنّ السابلة تمشي آمنة بين الطرفين من بلد الشام ومصر وجميع ممالكهم إلى نجد والشرق وجميع ممالك عبد الله، وكل منهم يحج آمناً، وكتبوا بذلك سجلاً. ورحل الترك من الرس أول شعبان متوجهين إلى المدينة. وبعث عبد الله معهم بكتاب الصلح عبد الله بن محمد بن بنيان صاحب الدرعية والقاضي عبد العزيز بن حمد بن إبراهيم ليعرضوه على محمد علي صاحب مصر، فوصلوا مصر ورجعوا منه وانتظم الصلح) أ. ه. كما قال سادلير (ص403) في أحداث سنة 1231ه (وقعة محيط ومحرش) بعدما هدم سور الخبرا وسور البكيرية عقوبة لهما على استدعائهما الترك ومسيره إلى العلم قرب الحناكية قال (... ثم قفل راجعاً إلى وطنه وأمسك ثلاثة رجال من رؤساء أهل الرس وسار بهم إلى الدرعية رئيس الرس شارخ واثنان معه، وأحاط في هذه الغزوة على مياه القبلة الشمالية والجنوبية. وسميت هذه غزوة محيط ومحرش، لأنه حدث النقض من الروم بسببها. لأنه ركب إلى مصر رجال من أهل القصيم والبوادي وزخرفوا القول لصاحبها وتلقى قولهم بالقبول فشمّر في تجهيز العساكر إلى نجد مع ابنه وابن زوجته إبراهيم وذلك بتقدير العزيز العليم) أ.ه. ثم ختم سادلير حديثه عن حصار إبراهيم باشا للرس (ص406) في أحداث سنة 1232ه بعدما تحدث عن هزيمة عبد الله بن صعود ومن معه من الأعراب قرب الحناكية قال (وأما إبراهيم فإنه لما صارت الهزيمة على عبد الله رحل من الحناكية وقصد ماوية، واجتمع بالعسكر الذي فيها «ثم رحل منها» بجميع عساكره ومن معه من العدد والعُدّة والكيد الهائل مما ليس له نظير كان معه، كان معه مدفع وقبوس هائلة كل واحد يثور مرتين، مرة في بطنه ومرة تثور رصاصته وسط الجدار بعدما تثبت فيه فتهدمه فأقبل عساكر الترك مع (131/ب) باشتها إبراهيم ونزلوا الرس لخمس بقين من شعبان ثبتوا له وحاربوه وأرسل إليهم عبد الله مرابطة مع حسن بن مزروع والهزاني صاحب حريق نعام، فحاصرهم الترك أشدّ الحصار. وتابعوا الحرب عليهم في الليل والنهار كل يوم يسوق الباشا على سورها صناديد الروم. بعدما يجعل السور بالقبوس فوق الأرض مهدومة. فأنزل الله السكينة على أهل البلاد والمرابطة وقاتلوا قتال من حمى الأهل والعيال وصبروا صبرا ليس له مثال. فكلما هدمت القبوس السور بالنهار بنوه بالليل. وكلما حفر الترك حفراً للبارود حفر أهل الرس تجاهه حتى يبطلوه. وبعض الأحيان يثور عليهم وهم لا يعلمون وطال الحصار إلى اثني عشر ذي الحجة، وذكر أن الترك رموه في ليلة خمسة آلاف رمية بالمدافع والقنبر والقبس. وأهلكوا ما خلف القلعة من النخيل وغيرها. هذا وعبد الله بن سعود وجنود المسلمين في عنيزة على الحال المذكورة. (وأرسل) أهل الرس إليه إما أن يرحل إلى الترك ويناجزهم، وإما أن يأذن لهم بالمصالحة، فأقبل عساكر وقبوس وأمداد من الترك كثيرة ونزلوا على إبراهيم ومن معه في الرس. واستعظم أمره وكثرت دولته، فوقعت المصالحة بينه وبين أهل الرس على دمائهم وأموالهم وسلاحهم وبلادهم وجميع من عندهم، والمرابطة يخرجون إلى مأمنهم بسلاحهم وبجميع ما معهم، فخرجوا من الرس وقصدوا عبد الله وهو في عنيزة. وقتل من أهل الرس والمرابطة في هذه الحرب نحو سبعين رجلاً، وقتل من عسكر الترك ما ينيف على ست مائة رجل، (فلما استقر) الصلح بين أهل الرس والباشا رحل منه بعساكر الترك ونزل بلد الخبرا، فلما نزلوها وقع الرعب في قلوب المسلمين وتفرقت البوادي ...) أ. ه. للحديث بقية من التفصيل.