ثانيا الرد على بعض الأخطاء الواردة فيما كتبه أ. حمود بن عفيصان: ذكر الكاتب أن الأخبار الثابتة والوثائق تتحدث أن الإمام سعودا عين إبراهيم ابن عفيصان أميرا للمدينة خلفا لأميرها السابق حسن قلعي، مستندا إلى الوثيقة المنشورة في كتاب الدكتور منير العجلاني، والتي هي عبارة عن رسالة من طوسون باشا إلى والده، وإلى عبارات بعض المؤرخين كصاحب لمع الشهاب وفيلكس مانجان والسيد أحمد عباس صاحب كتاب العسكرية السعودية في مواجهة الدولة العثمانية. قلت: والرد على ما ذكره الكاتب يتمثل في الآتي: 1) ما جاء في هذه الوثيقة من قول طوسون إن الإمام سعود كان عين حسن قلعي بوظيفة أغا للقلعة وأميرا فيها ولكنه عاد فعزله ونصب بدلا منه رجلا يدعى عفيصان أميرا على المدينة وآغا للقلعة، خطأ محض وليس هو الخطأ الوحيد الذي يرد في ثنايا بعض الوثائق المصرية والعثمانية، دون أن يقلل من أهميتها، والأمثلة كثيرة منها: أ - جاء في نفس الوثيقة ما نصه: "أنه قد استشهد وتعطل من العساكر الإسلامية (يقصد العساكر المصرية) بنتيجة المحاربة التي جرت في مضيق جديدة أكثر من مائتين، ولكنني أقسم بالله العظيم أن هذا العدد لم يبلغ الثلاثمائة". ولا شك بأن عدد القتلى يفوق ذلك كما يفهم من كلام الشيخ عبدالرحمن بن حسن في مقاماته وهو ممن شهدها، كما يفهم مما ذكره صاحب الدرر المفاخر الذي يزعم أنه حضرها، وكذا من كلام ابن بشر والجبرتي وغيرهم. ب - جاء في نفس الوثيقة أيضا ما نصه: "لقد قبض سعود... خلال هذه السنة المباركة في مكةالمكرمة من حجاج المغرب ثلاثين ألف ريال فرنسي، وأنذر أولئك الحجاج عدا عن ذلك بأنهم إذا لم يتعهدوا بدفع خمسة وعشرين ألف ريال السنة القادمة، وهو المبلغ الذي حدده كمبلغ واجب الدفع، فإنهم سوف لا يتمكنون من أداء فريضة الحج..". ت - جاء في نفس الوثيقة: "أن شيخ جزا هو شيخ حرب سابقا". وهذا ليس بصحيح فليس جزا شيخ حرب سابقا ولا في وقت كتابة الوثيقة. ث - جاء في وثيقة مصرية مؤرخة في 9/ذوالقعدة/1328ه نشرها د. عبدالرحيم في كتابه في ص 399، ما نصه: "وفي أثناء ذلك، حيث كان سبق أن الأنفار الثلاثة من أمراء الوهابية المسمين: إبراهيم بن عفيصان، وصالح بن صالح، وأحمد الحنبلي، المحافظين بالمدينةالمنورة فيما سبق،..." ولا شك بأن هذا خطأ محض. فإبراهيم ابن عفيصان كان قائد المرابطين النجديين، وأحمد الحنبلي هو أحمد بن رشيد الحنبلي كان قاضيا بالمدينة على ما ذكر ابن بشر، ولم يكن محافظا. وصالح بن صالح هو الذي حمل رسالة الإمام سعود بن عبدالعزيز إلى أهل المدينة، ولم يكن محافظا. ثم من هو المحافظ منهم. كما أن السعوديين لا يسمون حكامهم محافظين، بل يطلق عليهم لقب أمير. ج - ومن ذلك ما جاء في وثيقة عثمانية من أن عبدالله بن مطلق من شيوخ بني إبراهيم (فرع من جهينة) والصحيح أنه من شيوخ الأحامدة من حرب. (العثمانيون وآل سعود في الأرشيف العثماني للدكتور زكريا قورشون، ص 234) 2) تذكر الوثيقة أن ابن مضيان وابن جبارة اتجها نحو ينبع البر لتحريض عربان جهينة وحثهم على أن يكونوا معهم، وأن يتبعوا الوهابيين، وأنهم قد أساؤوا إلى كثير من العربان وعملوا على تكديرهم. ثم تذكر أن ابن مضيان اتجه بعد ذلك إلى موطنه (الصفراء والجديدة)، وتذكر أن ابن جبارة حضر نهارا إلى السويقة للإقامة فيها وظل نحو نصف ساعة من الليل ثم عاد إلى قريته وبقي فيها. قلت: الذي يظهر لي من ذلك أن ابن مضيان شيخ حرب وأمير المدينة وابن جبارة شيخ جهينة وأمير ينبع كانا يقومان بأعمال عسكرية لذلك خرج ابن مضيان من المدينة لفترات طويلة ولا شك بأن القلعي وهو آغا القلعة كان ينوب عنه في إمارة المدينة. 3) ومما يؤكد أن ما جاء في هذه الوثيقة غير صحيح، مخالفته للمصادر التي ذكرت سابقا، وأن ابن بشر لم يذكر إمارته على المدينة رغم أن ابن بشر قريب زمنا من الأحداث بل معاصر لبعضها، وقريب دارا من ابن عفيصان!. فهل يعقل أن يذكر لنا ابن بشر كل تلك الأخبار عن جهود ونشاطات ابن عفيصان في الأحساء وقطر والكويت والبحرين، ويغفل عن إمارته للمدينة. كذلك مؤرخ نجد العلامة ابن عيسى يذكر في كتابه تاريخ بعض الحوادث الواقعة في نجد وفاة ابن عفيصان وأنه كان أميرا على الأحساء قبل أن يعزله سعود ويعينه أميرا على عنيزة. 4) النص الذي نقله العفيصان عن فليكس مانجان والذي جاء فيه: " أرسل الإمام سعود لإبراهيم ابن عفيصان حاكم الأحساء أن يذهب للإشراف على المدينةالمنورة وعين بدلا منه فهدا أخاه...". ليس نصا صريحا في إمارته على المدينة. كذلك فإن ما ذكره يخالف ما ذكره ابن بشر من أن سعودا قد جعل ابن عفيصان أميرا على عنيزة بعدما عزله عن الأحساء. (ج 1ص365) 5) النص الذي نقله العفيصان عن صاحب لمع الشهاب والذي جاء فيه: "... فسار سعود نحو المدينة وطوسون باشا حينئذ في ينبع ورتب فيها إبراهيم بن عفيصان مع ثمانية آلاف مقاتل...". ليس صريحا أيضا بل غاية ما يفيد إن صح الخبر أن ابن عفيصان كان قائد القوة المرسلة للمرابطة بالمدينة. كما لا يخفى عدم صحة ما ذكره صاحب لمع الشهاب من مسير سعود نحو المدينة عند تواجد طوسون في ينبع. قال أ. العفيصان ما نصه: "...فالرجال الذين كانوا في المدينة عندما غدرت بهم القوى المحلية، اعتصموا بالقلعة وصمدوا في وجه الغزاة لمدة شهر تقريبا، وبعد تأخر النجدات إليهم اتفقوا مع الغزاة على أن يخرجوا من القلعة إلى بلادهم بكامل سلاحهم..هذا ما ذكره بل أكده السيد أحمد عباس في كتابه (العسكرية السعودية في مواجهة الدولة العثمانية) ص65:"... ولما طال الانتظار دون وصول أية نجدة طلب ابن عفيصان التسليم بشرط الخروج بشرف السلاح والعتاد فوافق طوسون، وسمح لهم بالخروج إلى حيث يشاؤون...". قلت وهنا عدة أخطاء: 1) لم يذكر مصدره في قوله صمدوا لمدة شهر في القلعة، فليس في كتاب السيد عباس ذكر لذلك. بل الذي فيه أن طوسون حاصر المدينةالمنورة لمدة 75يوما قبل خروجهم منها واعتصامهم بالقلعة، وفي الدرر المفاخر أنه نازلهم لمدة شهر أو أدنى قبل تدمير السور. أما ابن بشر فيذكر أنهم بعد انحيازهم للقلعة طلبوا الصلح بعد أيام لكثرة من هلك ومن مرض أو جرح. 2) كتاب السيد عباس لا يعد من المصادر التاريخية فمؤلفه معاصر وهي دراسة جيدة من حيث الموضوع أما المصادر التي اعتمدت عليها فكلها معروفة. 3) ما ذكره الكاتب نقلا عن السيد عباس، من أن ابن عفيصان بعد طول انتظار طلب التسليم بشرط الخروج بشرف السلاح والعتاد، ليس صحيحا، بل الصحيح أن الجيش المصري ملك المدينة قهرا كما يذكر الفاخري وكما يستفاد مما ذكره ابن بشر، والقوة المرابطة بها هلك أكثرهم بين القتل والوباء والهلاك في البر عند هروبهم من المدينة، ومن اعتصم منهم بالقلعة، كان في وضع صعب فكانت القنبرة إذا وقعت عليهم أهلكت عددا من الرجال، فضلا عن ضيق المكان، مما جعلهم يطلبون الأمان. وإليك ماتذكره المصادر التاريخية: أ - ذكر ابن بشر أنه كان فيها يعني المدينة عدد كثير من جميع النواحي جعلهم فيها سعود وقت قفوله من الحج نحو سبعة آلاف، لكنهم ابتلوا بالأمراض المؤلمة. ثم إن العساكر المصرية كادوهم بكل كيد، وسدوا عنهم المياه الداخلة في وسط المدينة، وحفروا سردابا تحت سور قلعة المدينة وملأوه بالبارود، وأشعلوا فيه النار، فأنهدم السور فقاتلهم من كان فيها من المرابطة قتالا شديدا. ثم إن أهل المدينة فتحوا للروم باب البلد فلم يدر المرابطة إلا والرمي عليهم من الروم داخل البلد، وذلك لتسع مضين من ذي القعدة، فانحاز المرابطة من جنود المسلمين إلى القلعة فاحتصروا فيها وكانت ضيقة عليهم من كثرتهم، وصار فيها خلق كثير يرتكم بعضهم على بعض، ونصب الروم عليهم القنابر والمدافع، فكانت القنبرة إذا وقعت وسط القلعة أهلكت عددا من الرجال، فكثر فيها المرضى والجرحى، فطلبوا المصالحة بعد أيام فأنزلوهم منها بالأمان، وهلك في هذه الوقعة من المسلمين بين القتل والوباء والهلاك في البر بعدما خرجوا من المدينة وقبل أن ينزل عليهم الروم نحو أربعة آلاف رجل من عسير وأهل بيشة والحجاز وأهل الجنوب وأهل نجد، وظهر باقيهم إلى أوطانهم، وأمسك الروم حسن قلعي وعذبوه بأنواع العذاب وبعثوه إلى مصر". ب - قال الفاخري في تاريخه: "وفي سنة 1227ه سار طوسون بن محمد علي باشا بعد مقامه مدة بينبع، فلما أتاه الإمداد مع ابن نابرت وصل إلى المدينة الشريفة فحصروها ثم ملكوها قهرا، ومات بها من المسلمين كثير، قيل نحو أربعة آلاف، قتلا ووباء وهلاكا، فلا حول ولا قوة إلا بالله العظيم". ت - قال ابن عيسى في تاريخ بعض الحوادث الواقعة في نجد: "وفي سنة 1227ه قدم أحمد بونابرت بالعساكر العظيمة على أحمد طوسون بن محمد علي، وهو إذ ذاك في ينبع، فلما قدموا عليه ساروا إلى المدينة فوصلوا إليها منتصف شوال، وحصروها وفيها نحو خمسة آلاف من أهل الحجاز واليمن ونجد، جعلهم سعود فيها مرابطة، ثم حفروا سربا في الأرض من ناحية البقيع، فلما وصلوا إلى السور حشوه بالبارود وأشعلوا فيه النار، فانهدم من السور نحو ثلاثين ذراعا، ودخلت العساكر البلد، وانحاز المرابطة إلى القلعة، وقد هلك منهم خلق كثير قتلا ووباء نحو أربعة آلاف". ث - ذكر البسام في الدرر المفاخر أن الوزير أحمد حاصر الوهابية الذين هم مجعولين فيها حراسا ومدافعة عنها فقدمهم الوزير بعسكره فنازلهم مدة شهر أو أدنى وأعطاهم عهد الله وذمة السلطان فأبوا إلا عتوا ونفورا فإذا هو قد نصب البارود على السور- يقصد سور المدينة- فلما أبريت ذمته منهم وأشهد الله ورسوله على عصيانهم أحرقهم بالنار فسار العسكر إليها. فاحتصروا في القلعة الصغيرة وأعطاهم الأمان فخرجوا فإذا هم خمس مئة وهم قبل اثنا عشر ألف وأعطاهم الوزير إبلا وزادا وماء وأكرمهم وتعجب الوهابي لكرمه. ج - جاء في وثيقة مصرية مؤرخة في 9ذي القعدة 1228ه، توضح كيف حصل علي أغا الدرامللي وعثمان الكاشف وأتباعهم البالغ عددهم مائة وستين نفرا على الأمان بعد محاصرتهم في الحناكية، ما نصه: "وفي أثناء ذلك، حيث كان سبق أن الأنفار الثلاثة من أمراء الوهابية المسمين: إبراهيم بن عفيصان وصالح بن صالح وأحمد الحنبلي المحافظين في المدينةالمنورة فيما سبق حماهم عثمان الكاشف في أثناء محاصرة المدينة وأبلغهم مأمنهم وأوصلهم إلى سمت السلامة فكأن هؤلاء قالوا الآن "هل جزاء الإحسان إلا الإحسان" وأرادوا حماية الكاشف المومى إليه وارساله إلى سمت السلامة فاستصحبوه وشفعوا له عند السعود، وأخذوا أوراق الأمان له". ثم تصف الوثيقة أنه عند وصولهم للسعود أراد السعود أخذ أسلحة وأموال المائة وستين نفرا ورفض عثمان الكاشف لذلك ثم تسييرهم إلى بغداد. (من وثائق الدولة السعودية الأولى في عصر محمد علي، د. عبدالرحيم عبدالرحمن، المجلد 2ص 399) قلت: الوثيقة تبين أن الكاشف قد حماهم وأمنهم وأوصلهم إلى سمت السلامة، وليس كما ذكر العفيصان من أنهم خرجوا بكامل سلاحهم وعتادهم بعد اتفاقهم مع طوسون!. وسبق أن ذكرت ما في هذه الوثيقة من خطأ؛ أعني وصفهم رحمهم الله بالمحافظين بالمدينة. ذكر أ. العفيصان مانصه: "أما مسعود بن مضيان رحمه الله فلم يكن في القلعة أصلا كما توهم الأخ الباحث - يعني فائز الحربي -بل كان في قصره في عوالي المدينة، من أجل ذلك رفضوا إعطاءه الأمان، لأن الامساك به متيسر، ويشهد على ذلك محمد البسام صاحب الدرر ص 34حيث قال: "فبقي مسعود ابن مضيان في قصره محتصرا حاير الأفكار، فدعوه بلا أمان وطلب الأمان فامتنع الوزير". قلت: لم يتوهم فائز الحربي فقد ذكر في أكثر من كتاب من كتبه أن ابن مضيان كان في قصره بالعوالي ولم يكن في القلعة، ولينظر القارئ إن شاء إلى كتاب الحربي "فصول من تاريخ قبيلة حرب في الحجاز ونجد" - الطبعة الثانية - 1420ه. وكيف يكون قد وهم وهو قد نقل النص الذي استشهد به العفيصان بتمامه في كتبه. كذلك العفيصان هداه الله بتر نص محمد البسام ولو أكمله لكان قول البسام شاهدا عليه لا له وإليك تكملته: "...فامتنع الوزير وقام إبراهيم نابرته وكتب له على لسان الوزير (إنك آمن) فأقبل وأكرمه الوزير إكراما مفرطا، فلما انتهى إلى ثلاثة أيام كل يوم أعظم إكراما مما قبله وجاء نهار رابع أوثقوا قيوده وناقشوه في أفعاله فما أجاب بحسنى ولا سيئة لمعرفته بالهلاك".