(يّا سَيِّدي وَالشِّعْرُ بَعدَكَ مُوجَعٌ وَلِفَقْدِ مِثْلِكَ تُوجَعُ الأشْعَارُ ) لم أفجع بنبأ موت أحد مثلما فجعت بنبأ موت والدتي المفاجئ - رحمها الله - حين بلغني وأنا مسافر إلى أوربا، ونبأ موت أخي الحبيب وشقيق روحي الدكتور محمد الأحمد الرشيد وزير التربية والتعليم - رحمه الله - الذي بلغني وأنا في مدينة نائية في أواسط الصين. مات والدي رحمه الله بعد معاناة لأكثر من سنتين ومات كثير من أحبابي بعد أن أصبح الموت راحة لهم فخفف ذلك من وطأة نبأ موتهم وألم فراقهم. ما أشده وأعنفه نبأ موت مَن نُحبُّ حين يأتي فجأة وبدون مقدمات. إنه انتزاع جزء من الروح والإنسان في كامل يقظته. إنه الموت نفسه بكل رهبته ووحشته وما يحدثه من آلام وأحزان ومعاناة. رحمك الله يا أبا أحمد ، فقد كنت شقيق الروح الذي سكن الروح وامتزج بكل خلاياها ، والأخ الأحَبَّ الذي انتزعته المنية من جوف الفؤاد. تذكرت يوم التقيتك أول مرّة في كلية التربية في جامعة الرياض قبل تسعة وثلاثين عاماً وقد عدتَ لتوّك من الولاياتالمتحدةالأمريكية بعد حصولك على درجة الدكتوراه . كنت في ذروة نشاطك وحماسك وطموحك الذي لا سماء له، ووالله لم يتغير في طباعك شيء ، ولم تنل كل تلك السنين التي مرّت علينا من همتك وطموحك وحماسك وحيويتك شيئاً على الإطلاق. كنت وبقيت بركاناً لا يهدأ من الوطنية والإخلاص والحماس والرغبة الصادقة في رفعة الدين والوطن والأمة. تذكّرتُ ريادتكَ وكفاحك قبل ثمانية وثلاثين عاماً لإقامة مؤتمر رسالة الجامعة في جامعة الرياض (قبل أن تصبح جامعة الملك سعود) الذي كان أول مؤتمر أكاديمي يُعقد في المملكة والذي كان بوابة لتطور التعليم الجامعي فيها ، وتذكرت سعيك الحثيث لتمكين جامعة الرياض من الحصول على الاعتراف الدولي وبخاصة من الجامعات الأمريكية ، وتذكرت كيف جعلت مكتب التربية لدول الخليج العربية عندما توليت إدارته منارة من منارات الإصلاح والتطوير التعليميين ومركزاً من مراكز التنوير في منطقة الخليج والعالم العربي ، وتذكرت جهادك المستميت لإنقاذ جامعة الخليج التي كنت صاحب فكرتها وصاحب الفضل بعد الله عزّ وجلّ في إنشائها عندما كادت أن تغلق أبوابها بسبب قلة الدعم ، وتذكرتُ إحياءك وتجديدك لوزارة المعارف وطموحك العملاق للنهضة بها وبالتعليم في المملكة ليكون منافساً لأكثر نظم التعليم تقدماً في العالم ، وتذكرت على وجه الخصوص غيرتك على المواد الدينية في مناهج التعليم ومجاهداتك وبذلك كل وسعك لدى كبار العلماء في المملكة وعلى رأسهم الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله ومناشدتك إياهم أن يقودوا هم جهود تطوير المواد الدينية لتكون في أمثل صورها وأن يرشحوا من بينهم أو من يرضونه ليشاركوك وزملاءك جهود التطوير المنشود وذلك لإيمانك العميق بأن المواد الدينية أهم المواد وأغلاها ، وتذكرت العقبات الكأداء التي حالت بينك وبين تحقيق آمالك في هذا الشأن ، وكيف بقيت مَرارة استمرار قصور المواد الدينية جرحاً غائراً في قلبك. سامح الله من ظلموك وشككوا في نواياك ودينك، فإنهم والله لم يسيؤوا إليك بل أهدوك كثيراً من حسناتهم، وإنما أساؤوا للدين وللوطن وأجياله فقد كانوا سبباً في تعطيل أهم وأكبر حركة إصلاحية وتطويرية في تاريخ التعليم السعودي كله ، ورحم الله القائل: لا يبلغ الأعداء من جاهل ما يبلغُ الجاهلُ من نفسه لم ترحل يا أبا أحمد وإنما أنت باقٍ في قلوب عشرات الألوف من محبيك ، ولم تغب فأنت حاضر من خلال أحمد وإخوانه وأخواته وفقهم الله جميعاً، فقد والله أحسنت وأحسنت أم أحمد تنشئتهم ، وقد أكرمكما الله بأن جعلهم قُرّةَ عينٍ لكما ، وإنهم جميعاً عزاؤنا فيك. إن فقدك أعمق من جميع أحاسيسنا وأعظم من كل كلماتنا ولا نقول إلا ما يرضي ربنا . رحمك الله رحمة واسعة وجعل قبرك روضة من رياض الجنة ، وأنزلك منازل الصديقين والشهداء والصالحين ، وجمعنا بك وبمن تحب ونحب في جنّاته، وشملنا جميعاً بعفوه وكرمه وفضله ولطفه ، وإنا لله وإنا إليه راجعون. أَرَحَلتَ ؟ أمْ هِيَ وَيْحَهَا الأعمارُ قُلْ لي بِرَبِّكَ كَيْفَ كَيْفَ تُزَارُ هَلَّا انتظرتَ إيَابَ مَنْ يَتَّمْتَهُ يَا لَيْتهَا اخْتَلَفَت بِنَا الأقْدَارُ يَا سَيِّدي والذِّكرياتُ سَحائبٌ تَتْرى ونَبْعُ عَطائِهَا مِدْرارُ قًلّْ لِي بِرَبَّكَ مَا الذي هَيَّجْتَهُ؟ وَالمَوتُ كُلُّ شُؤُونِهِ أسْرارُ مَاذا فَعلتَ بِمَنْ سَكَنْتَ قُلوبَهُم؟ يَبكُونَ فَقْدَكَ كُلُّهُمْ أبرَارُ مَاذا فَعَلتَ بِألفِ ألفِ مُتَيَّمٍ؟؟ قُلْ لِي بِرَبِّكَ أَيْنَهُ الإيثَارُ يّا سَيِّدي والشَّوْقُ يَعصِرُ مُهْجَتِي وّتّجَلُّدِي قَدْ خّانَهُ استِعبَارُ قُلْ لي بِرَبِّكَ كَيْفَ ضَمَّكَ وَيْحَهُ قَبْرٌ وَأنتَ مَفَاوِزٌ وَبِحَارُ؟ قُلْ لي بِرَبِّكَ مَا الّذي أبصرتَهُ؟ فَلدَى المَنَايَا تُكْشَفُ الأسْتَارُ وَلَدى المَنَايَا تَسْتَبينُ مَسَالِكٌ لِلرَّاحِلينَ وتُشرِقُ الأبصارُ يا سَيِّدي وَهَواكَ يَسْكُنُ في دَمِي وَرُؤَاكَ في كُلِّ الجِهَاتِ تُدَارُ بِاللهِ قُلْ لِي كَيفَ يَسلو مُدْنَفٌ أشْجَيْتَهُ؟ وَلِمَنْ تَطِيبُ الدَّارُ؟ وبِمَنْ سَيَكمُلُ بَعدَ مَوتِكَ مَحْفَلٌ؟ بَلْ كَيْفَ تَحْلو بَعْدَكَ الأسْمَارُ؟ يَا سَالِكَاً سُبُلَ العُلا لَمْ يَثْنِهِ رَهَبٌ وَلا أوْدَى بِهِ استِهْتَارُ وَمُفَتِّحَاً في كُلِّ دَرْبٍ مَشْرِقَاً لِلنُّورِ فِيهِ تُوَلَّدُ الأَقْمَارُ كَيْفَ ارتَحَلتَ وَمَا شّفَيْتَ صَبَابَةٍ؟ وَمَتى تَسَاوَتْ عِندَكَ الأسْفَارُ؟ كُنتَ الصَّرَاحَةَ فِطرةً وَتَطَبُّعَاً قّدْ طَابَ مِنكَ الجَهْرُ والإِسرارُ كُنْتَ الطّهَارةَ صِدقَهَا وَنَقَاءهَا أَهْدَاكَهَا آبَاؤُكَ الأطهَارُ كُنتَ السَّماحةَ في أرَقِّ طِباعِهَا وَالصَّفْحَ لَمَّا نَالَكَ الفُجَّارُ كًنتَ المَكَارِمَ يَا مُحَمَّدُ كُلَّهَا وَالنُّبْلَ وَالحًبَّ الذي نَختَارُ يّا سَيِّدي وَالشِّعْرُ بَعدَكَ مُوجَعٌ وَلِفَقْدِ مِثْلِكَ تُوجَعُ الأشْعَارُ عُذْراً إذا هَجَرَ القَصِيدُ نَدِيَّهُ وَبُحُورُهُ لم يُشْجِهَا الإِبْحَارُ لّمْ يَبْقَ بَعْدَكَ في البلابل صَادِحٌ هَيْهَاتَ تُورِقُ فِي الدُّجَى الأزهَارُ حَيَّاكَ رَبُّكَ كُلَّمَا عَصَفَتْ بِنَا أشْوَاقُنَا وَتَجَدَّدَ التَّذْكَارُ وَدَعَا لَكَ الأبرَارُ فِي خَلَوَاتِهِم وَتَلألأَتْ فِي قَبْرِكَ الأَنْوَارُ وَسَقَتْكَ من رُحمى الإلهِ غَمَامَةٌ مَا جَنَّ لَيلٌ أوْ أفَاقَ نَهَارُ