ولي العهد يستقبل أمراء المناطق بمناسبة اجتماعهم السنوي الثاني والثلاثين    "النقل" تواصل حملاتها وتحجز25 شاحنة أجنبية مخالفة    الملابس والأطعمة تتصدر الإنفاق    5 مدن استثمارية لإنتاج البن والتين    السعودية تدين استهداف موكب الرئيس الصومالي    بعد اتصالات ترامب مع زيلينسكي وبوتين.. العالم يترقب النتائج.. محادثات أمريكية – روسية بالسعودية لإنهاء الحرب في أوكرانيا    الولايات المتحدة تواصل عملياتها العسكرية ضد الحوثيين    ولي العهد ورئيس الوزراء البريطاني يبحثان هاتفياً تطورات الأوضاع في قطاع غزة    في ذهاب دور ال 8 بدوري الأمم الأوروبية.. قمة تجمع إيطاليا وألمانيا.. وإسبانيا في ضيافة هولندا    الأخضر يختتم استعداداته لمواجهة الصين ضمن تصفيات كأس العالم    تكريم الجغيمان بجائزة جستن    آل خضري وخضر يحتفلون بزواج فهد    موائد إفطار في أملج    بحضور مثقفين وشعراء وإعلاميين.. فنان العرب يشرف مأدبة سحور الحميدي    سحور عواجي يجمع أهل الفن والثقافة    قرار بمنع هيفاء وهبي من الغناء في مصر    هدية من "مجمع الملك فهد".. مصاحف بطريقة برايل للمكفوفين ب"أريانة"    دشن مشروع الطريق الدائري الثاني بالعاصمة المقدسة.. نائب أمير مكة يطلع على خطط الجاهزية للعشر الأواخر    إنفاذًا لتوجيهات خادم الحرمين وولي العهد.. وصول التوأم الطفيلي المصري إلى الرياض    طاش مديراً تنفيذياً للمدينة الطبية    وصول التوأم الطفيلي المصري محمد عبدالرحمن جمعة إلى الرياض    اختتام ملتقى المملكة التأهيلي الثاني لألعاب القوى    اللجنة الوزارية المكلفة من القمة العربية والإسلامية الاستثنائية المشتركة بشأن التطورات في قطاع غزة تدين وتستنكر الغارات الإسرائيلية على غزة    مشروع "إفطار الصائم" في بيش يستهدف أكثر من 800 صائم يوميًا من الجاليات المسلمة    رينارد: مرتدات الصين تقلقني    نهج إنساني راسخ    "عائشة" تعود لأحضان أسرتها بعد 100 يوم من الغياب    مستشار خادم الحرمين يزور المعرض الرمضاني الأول بمدينة الرياض    "الصحة" تعلن نتائج النسخة الأولى من الدوري السعودي للمشي دوري "امش 30"    أخضر الشاطئية يفتتح مشواره الآسيوي بمواجهة الصين    بطولة غرب آسيا .. الأخضر الأولمبي يخسر أمام عمان بهدف    حرائق الغابات والأعاصير تهدد وسط الولايات المتحدة    جامعة خالد تُطلق معرضها القرآني الرمضاني الأول    27% من تداولات الأسهم للمستثمرين الأجانب    2062 ريالا أعلى متوسط إنفاق للسياحة بالأحساء    ‏⁧‫#نائب_أمير_منطقة_جازان‬⁩ يستقبل مدير فرع هيئة حقوق الإنسان بجازان المعيَّن حديثًا    كيف أفسد ترمب صفقة المقاتلات على الولايات المتحدة    نائب أمير جازان يقلّد مساعد قائد حرس الحدود بالمنطقة رتبته الجديدة    بعد محادثة ترمب مع بوتن وزيلينسكي ما السيناريوهات المحتملة لوقف النار    برامج ( ارفى ) التوعوية عن التصلب تصل لمليون و800 الف شخص    رمضان في العالم صلوات وتراويح وبهجة    القوات الخاصة لأمن الطرق.. أمان وتنظيم لرحلة إيمانية ميسرة    ممتاز الطائرة : مواجهة حاسمة تجمع الاتحاد والنصر .. والخليج يلاقي الهلال    شركة الغربية تحتفل بتخريج المشاركين في برنامج القيادة التنفيذية بالتعاون مع أمانة جدة    رمضان في جازان.. تراث وتنافس وألعاب شعبية    جامعة الملك سعود تُطلق مبادرة لاستقطاب طلبة الدراسات العليا المتميزين    مطالبات تحت المجهر.. توسع المجاردة ونطاق عمراني لبارق    مكافآت طلاب عسير 28 من كل شهر ميلادي    2611 بلاغا وحالة إسعافية بجازان    7800 مستفيد من المناشط الدعوية بمسجد قباء    نائب أمير مكة يرأس اجتماع «مركزية الحج».. ويدشن الدائري الثاني    دمت خفاقاً.. يا علمنا السعودي    رئيس الوزراء الباكستاني يصل إلى جدة    رأس الاجتماع السنوي لأمراء المناطق.. وزير الداخلية: التوجيهات الكريمة تقضي بحفظ الأمن وتيسير أمور المواطنين والمقيمين والزائرين    وزير الداخلية يرأس الاجتماع السنوي ال32 لأمراء المناطق    "الحياة الفطرية": لا صحة لإطلاق ذئاب عربية في شقراء    المملكة تدين وتستنكر الهجوم الذي استهدف موكب رئيس جمهورية الصومال الفيدرالية    دعوات ومقاعد خاصة لمصابي الحد الجنوبي في أجاويد 3    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبدالله سليمان الموسى الغيث
يا أعز الناس عندي
نشر في الجزيرة يوم 24 - 02 - 2012

لقد ظللت متردداً في أن أسطر كلمات عن موت أخي وشقيقي موسى سليمان موسى الغيث عن عمر يناهز 43 عاماً، الذي انتقل إلى رحمة الله فجر الجمعة الموافق 18-3-1433ه، أثر مرض ألمَّ به، والذي يرتبط في أذهاننا بمعان متعددة منها الفراق والولع والكآبة والحزن والانقباض وما يصاحبه من صبر واحتساب وما يعقبه من كسر واسترجاع للذكريات والأمنية بطول الأجل والتمني بعدم فقد الأحباب والأقارب، وهي كلها معان ذات معنى مؤثرة. وهو ما حدث لي فيما لا يزيد عن عشرة أيام، فقدت خلالها أعز الناس عندي، فقدت شقيقي وأخي موسى وهو في زهرة العمر وفي ريعان الشباب، تركته وردة فياحة الرائحة وذهب ليس له يد تبطش ولا أذن تسمع، وجدته قد تجرع مرارة الموت، تركنا أبا سليمان نتجرع مرارة الفراق، ولكن هذا قدر الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، لأنه مهما تجاهلنا أو تناسينا فلابد من لقاء الله، ولابد لنا من أن نشرب كأس الموت.
كل ابن انثى وإن طالت سلامته
يوماً على آلة حدباء محمول
كلما تذكرت فراق أخي لأبكيه تذكرت أيضاً قول الله عز وجل (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ)، وقال تعالى: (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ). كلما قرأت هذه الآيات هدأت نفسي. لا يمكن أن أنسى وألغي من ذاكرتي ونحن من حوله في غرفة العناية المركزية في مدينة الملك فهد الطبية بالرياض عندما كان الأطباء يبذلون جهدهم وكل ما في وسعهم من إمكانيات لعل الله يرد في عمره، ولكن لا راد لقضاء الله، قال الله تعالى: (أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ?، فصدق الله العظيم، ?وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا). لقد كان أخي -رحمه الله وغفر له- يكثر من ذكر الموت والاستعداد للموت والعمل لما بعده، ففي ذلك طريق لتمحيص الذنوب والزهد في الدنيا والخلوص للدار الآخرة، كما أوضح لنا الحديث النبوي الشريف (ومن أكثر ذكر الموت أحبه الله). إن ذكر الموت ليس استجلاباً للهموم والأحزان ولكنه ترقيق للقلوب إذا قست، وتوجيهاً لها إذا غفلت، وإيقاظاً لها إذا ماتت، ويقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه لعتبة بن سعيد (أكثر ذكر الموت فإنك لا تكون في ضيق من أمرك ومعيشتك فلا تذكر الموت إلا اتسع ذلك عليك).
كان أخي وشقيقي وحبيبي مستعداً، وكان يحاول أن يخفف علينا نحن أهله ما هو فيه من مرض وألم، وكان يقول ويكرر دائماً: سامحوني وحللوني فأنا سأذهب إلى رب رحيم كريم وسألتقي بوالدي بإذن الله، وقد قال بعد أن شاهدته قد حلق رأسه وتطهر وتنظف قبل دخوله العملية الجراحية الخاصة بالقلب وتغيير أحد الشرايين، هل لديك عطر وكذلك دهن العود؟ قلت له ما بالك؟ قال إن والدي يحب دهن العود، فعتبت عليه وقال لي: المدبر كائن لا تخف فأنا لست بخائف، وأبلغني بأن أتحدث مع الجراح وأحثه بسرعة إجراء العملية. لم أره ولم أشاهده مثل ذلك اليوم، وكان صائماً ويقرأ القرآن ووجهه -ما شاء الله- يشع نوراً ويكثر من الاستغفار، وكنت أتحدث إليه قبل ذهابه لغرفة العمليات بساعة أو ساعتين وأطمئنه بأن الله سيكتب له عمراً جديداً، وأنا كنت أشد ألماً منه ولكنني كنت أكتم شعوري وخوفي، فنظر في وجهي وقال: يا خوي الموتة واحدة فلا تخف، ثم نظر إليَّ في وجهي وأوصاني بوالدتي وأطفاله وقال: عبد الله أدعو لي وسامحني وطمِّن والدتي. كان رحمه الله باراً بوالدتي وكان دائماً يقبِّل يدها وأرجلها ويحب ممازحتها. إنني أجزم بأن لديه إحساس بالفراق وأنه سيودعها لأنه كان يتحدث مع والدتي كل ساعة من صباح ذلك الخميس وهو يستعد للعملية يطمنها ويفيدها بأن العملية سهلة وأن الأمر يسير وسهل. وكان ذلك على مسمع مني. رحمك الله أبا سليمان فقد أوصيتني حياً وأوصيتني ميتاً. لقد بلغني بعد وفاته من أكثر من صديق له بأنه كان يتحدث معهم أثناء دخوله المستشفى ويطلب منهم السماح والمغفرة إن كان قد بدر منه زلة لسان أو خطأ غير مقصود، ويقول لهم: أنا مسافر إلى رحمن رحيم وإلى مقره في الآخرة، هكذا كانوا يجمعون على محادثته لهم. لقد صعدت الروح لخالقها بعد 24 ساعة من العملية، وكنت أنا وأشقائي ملازمينه ساعة بساعة بعد خروجه من العملية وإفادة الطبيب بأن وضعه حرج وأنه عمل ما عليه وأحسسنا بخطورة وضعه، ولقد شاهدتها في عين الجراح. بقي في غرفة العناية المركزة ينتظر أمر ربه حتى أحسست أن حسن الخاتمة قد قرب فبدأت ألقنه الشهادة وهو في الغيبوبة واللاوعي وفجأة وإذا به ينطق الشهادة ويرفع السبابة، وما هي إلا نصف ساعة وراحت الريحانة التي كنت أركن إليها وقت الأحزان والدماء قد تجمدت في عروقه وشرايينه والعينان قد شخصت والجسد لا يتحرك والنفس قد انقطع. فتذكرت قول الله تعالى: (كَلَّا إِذَا بَلَغَتْ التَّرَاقِيَ وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ).
هكذا غربت شمس شقيقي وأعز أحبابي العارف بربه، هكذا والله غربت حياة أخي الحبيب البار عندما دفناه في مقبرة النسيم من عصر الجمعة 18-3-1433ه. وترك لي ولإخواني ميراث مودته ومحبته وأطفاله وزوجته. ومما يهدئ من روعنا وفزعنا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وما رواه ابن ماجة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (من مات مريضاً مات شهيداً ووقى فتنة القبر)، لقد بشرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف (أرقبوا الميت عند ثلاث إذا رشح جبينه ودمعت عيناه ويبست شفتاه فهي من رحمة الله قد نزلت به) وهو ما حصل لشقيقي رحمه الله، وكذلك ما رواه الترمذي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: (ما من مسلم يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة إلا وقاه الله فتنة القبر). كيف لي أن أصف بركان حزني وكيف أصف جل همي حينما انفطر قلبي فلم أكن أسمع نبضات قلبي لأن الحزن قد أذابه فاختلط بدمي. فاللهم أرحم أخي برحمة الرحمن ومغفرة الغفار، فهي المكان الذي يرتحل إليه هذا الحبيب وهذا ما نرجوه لأخينا وحبيبنا، ودّع أحباءه، عزيز ترك داره وأطفاله وأهله إلى المثوى الأخير. نؤمن بالقضاء والقدر وندرك بأن هذه الدنيا دار ممر وليست مقراً، ونؤمن بأن الموت حق ولا راد لقضاء الله وقدره بيد أن الحدث الجلل والمصاب العظيم والصدمة العنيفة ليس من السهولة استيعابها، إن المشاعر أصدق ما تكون حينما تجبرها الفجائع الكبار على الخروج فتأتي صادقة تغسلها الدموع وتنقيها العبرات من كل تصنع وتجمل وزيف تعانق الآخرين تعزيهم وتتقبل تعازيهم بإنسانية بحتة وإحساس بما يكتسي القلوب من نقاء وطهارة في هذه الأثناء أكثر من غيرها حينما لا يبقى في التفكير سوى أن هذا الإنسان العزيز ودع دنيانا وارتحل إلى مكان لا نستطيع فيه معه سوى الدعاء له بأن تكون تلك الدار خيراً من داره. اللهم ارحم أخونا موسى الغيث وأسكنه الفردوس من الجنات وأجبر كسر قلوبنا واجعل قبره روضة من رياض اللجنة ويسر عليه الحساب يوم الحساب وتجاوز عنه وأجره لقاء بره بفضلك ورحمتك خير الجزاء وعوضنا الله في أطفاله سليمان وصالح وبناته الأربع. والله المستعان وعليه الثكلان ولا حول ولا قوة إلا بالله وإنا على فراقك يا أبا سليمان لمحزونون ولا نقول إلا ما يرضي ربنا (إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.