أعلن اتحاد الشغل والمنظمات الراعية للحوار الوطني معه هنا أن يوم الجمعة هو الموعد النهائي لانطلاق المشاورات العملية بشأن تنفيذ خارطة الطريق بعد أن يكون المشاركون قد استوفوا النظر في الإجراءات التنظيمية والشكلية التي لا بد من وضع أطر مضبوطة لها حتى لا يحيد الحوار الوطني عن مساره المحدَّد. فقد عاد الحديث بقوة عن إشغال الحوار الوطني بعد أن ألقى بيان حركة النهضة بظلاله على الجلسة الثانية التي خصصت للنظر في الإجراءات الترتيبية لتنظيم سير الحوار، الذي سيطرت عليه تساؤلات تقيم الدليل على انعدام الثقة بين حكومة الترويكا والمعارضة. فبالرغم من إمضاء زعيم النهضة الشيخ راشد الغنوشي على وثيقة مبادرة الرباعي بما يعني قبول الحركة بها رسميًّا، إلا أن البيان الصادر عن الدورة 18 العادية لمجلس شورى الحركة، بعثر الأوراق وأربك حسابات العديد من أحزاب المعارضة. البيان واحد والقراءات عديدة، هذا ما يمكن استخلاصه من ردود فعل رموز المعارضة حول بيان الشورى، الذي جاء مناقضًا لما تم الاتفاق بشأنه بما يعني أن ما تضمنه البيان قد يعمق نقاط الاختلاف التي عرقلت انطلاق الحوار لمدة أكثر من شهرين، مما زاد في تازيم الأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية في مهد الربيع العربي. فلئن اعتبرت أغلبية الأحزاب أن بيان الشورى شأن داخلي لحركة النهضة التي تقود الائتلاف الحاكم وأن الأهم أن زعيمها الشيخ الغنوشي وقع على المبادرة بما يوثق الموقف الرسمي للحركة، فإن قلة من القياديين في أحزاب المعارضة، لم تنكر تخوفها من مناورة نهضوية جديدة لإلهاء الفرقاء السياسيين وتعطيل الحوار الوطني وربح الوقت بما يؤخر تنفيذ قرار استقالة حكومة علي العريض. على أن المتمعن في البيان يقف عند تأكيد النهضة على أهمية الحوار الوطني وإسهامها في إنجاحه لكن، وهنا موطن الاختلاف، دون التزام منها أو إجبارها هي وحلفاؤها على تنفيذ بنود خارطة الطريق. وعلى عكس ما روّجت له بعض وسائل الإعلام، فإن مصدرًا من داخل الحركة أكد أنه لم تسجل ملاسنات ولا جدال متشنج بين أعضاء مجلس الشورى الرافضين لخارطة الطريق وبين الموافقين على مضمونها، وذات المصدر أفاد أن كل ما في الأمر أن سقف الحوار الديمقراطي صلب النهضة يظل عاليًّا جدًا وكل تسريبات بشأن خلافات داخلية لا تعني سوى الاختلاف في وجهات النظر في إطار حرية التعبير، مضيفًا أن الحركة تتسع لكل الآراء التي يضاعف الإختلاف بشأنها في قوتها وصلابة بنيانها. ومهما كانت القراءات التي يشي بها بيان مجلس الشورى، فإن اتحاد الشغل الذي رأى فيه دليلاً على حرية التعبير صلب الحركة، يستند في موقفه إلى توقيع الغنوشي على وثيقة مبادرته التي لا تراجع عنها. وكان مصدر مسؤول صلب المنظمة الشغيلية قد أعلن أن مبادرته هي المحدّد الوحيد لانطلاق الحوار وليس بيان مجلس الشورى باعتبار أن الوثيقة أضحت تحمل اليوم امضاءات الفرقاء السياسيين الذين عليهم الالتزام ببنودها. والثابت أن البيان المثير للجدل، وإن لم ينجح في قلب طاولة الحوار على المتحلقين حولها، فإنه وصل إلى حد إدخال المزيد من الإرباك على مواقف أحزاب المعارضة المشاركة، خصوصًا أنها كانت منذ البداية متخوفة من لجوء حركة النهضة الحاكمة إلى مناورة سياسية جديدة قد تشكل منزلقًا خطيرًا للحوار الوليد. إلا أن المحللين السياسيين ينبهون إلى وجوب التحلي بروح المسؤولية لدى طرفي الحوار، بعد أن كانا طرفي نزاع، وأن تكون حركة النهضة التي تقود الائتلاف الحاكم هي السبَّاقة نحو بعث رسائل طمانة لبقية الأحزاب حتى يجري الحوار في مناخ من الثقة المتبادلة، طالما أن الهدف الوحيد هي مصلحة تونس أولاً وأخيرًا وأمام تحقيقها تزول كل العراقيل. ولعلَّ رفض حزب المؤتمر من أجل الجمهورية، الحليف الأول للنهضة في الترويكا الحاكمة، التوقيع على مبادرة الرباعي الراعي للحوار يعتبر مقدمة لفشل الحوار طالما أن أحد أضلاع الترويكا يعارضه وبشدة، فيما تتمسك أحزاب سياسية صغيرة لم تتدع للمشاركة في الحوار، بموقفها وتعتبره انقلابًا على الشرعية الانتخابية وتتهم الرباعي الراعي للحوار بالتواطؤ مع المعارضة ومع اعتصام الرحيل لإسقاط حكومة علي العريض. هذه الأحزاب تعتقد جازمة أن خارطة الطريق المنبثقة عن مبادرة اتحاد الشغل، ليست سوى ترجمة لمطالب المعارضة والمشاركين في اعتصام الرحيل الفاشل بكل المقاييس حسب رأيها، وعليه فإنها لا يمكن أن تتماهى مع هياكل وطنية ترعى الحوار وتدعي الحياد وعدم التسيس وهي في قمة الانحياز إلى أحزاب المعارضة ترعى أجندتها وتسعى إلى تنفيذها حرفيًّا. الأكيد اليوم أن التونسيين يقرون بخيبة أملهم المضاعفة في الطبقة السياسية التي وضعوا فيها ثقتهم فخانتهم بتغليب رموزها لمصالح أحزابهم الضيقة متناسين مصلحة الناخبين والقواعد الجماهيرية التي أضحت اليوم تئن تحت وقع الأزمة الاقتصادية الخانقة.