قال تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} (سورة البقرة 155- 157). وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أخبرني جبريل عليه السلام الله تبارك وتعالى أنه قال: ما ابتليت عبدي ببلية في نفسه أو ماله أو ولده فتلقاها بصبر جميل إلا استحيت يوم القيامة أن أرفع له ميزانا أو أنشر له ديوناً). إن الرثاء وجراحات القلوب أو بكاء الأحبة، عاطفة من أصدق العواطف الإنسانية وأخلدها على مر الدهر وكر العصور والدموع رحمة ربانية جعلها في قلوب عباده. عن أنس رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: دخل على ابنه ابراهيم رضي الله عنه، وهو يجود بنفسه فجعلت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم تذرفان فقال له عبدالرحمن بن عوف وأنت يارسول الله فقال: يابن عوف إنها رحمة الله ابتعها بأخرى، فقال: (إن العين لتدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون). فإذا كان هذا حزن من اختاره الله للرسالة ووهبه من قوة العزم وصدق النية، وأطلعه على كثير من أسرار الكون، لفراق ولد له فلنا أن نتصور الأثر الكبير الذي يتركه الفراق في نفوس سائر البشر، والابتلاء أمر أراد به سبحانه أن ينمي في النفس الإنسانية الثبات في مواجهة تقلبات الحياة. يقول تعالى: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} (سورة العنكبوت 2 - 3). وقد ذكر سبحانه وتعالى في محكم التنزيل ان الصبر على مشقات الحياة من ثبات النفس فقال {وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} (سورة لقمان 17). وهذا من جليل العناية الإلهية ببني الإنسان أن جعل في الصبر على الشدائد قوة وعزيمة، ومن رحمة الله بالانسان وبره به وعطفه عليه أن بشره بحياة أخرى باقية ظلها ظليل وماؤها عليل، انه يبشره بدار الخلود والبقاء، حيث إن الحياة الدنيا متاع الغرور والآخرة هي الحياة الدائمة، إلى جانب هذا كله فإن هذه الحياة لا تخلو من المتاعب والهموم قال تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ} (سورة البلد 4)، أي أن الإنسان في مكابدة وتعب وهموم، فالإنسان الذي خلق في كبد لا بد وأن يرضى بما قسم الله له، وقد أجزل الله العطاء لكل من يصبر على مشقات الحياة وبلائها - يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: من ابتلي ببلاء فكتمه ثلاثة أيام صبراً واحتساباً كان له أجر شهيد، ويطلب الرسول صلى الله عليه وسلم، من كل مبتلى ان يستقبل البلاء بدواء نفسي ناجع يقول: استقبلوا البلاء بالدعاء. وإذا تجبر الانسان في هذه الحياة واغتر بمغرياتها وهام بظواهرها فقد خاب، أما إذا أراد الحياة الأخروية فما عليه إلا أن يذكر هادم اللذات. ويذكر الموت - يقول الرسول صلى الله عليه وسلم (اذكروا الموت فإنه هادم اللذات ومنغص الشهوات) وما الدنيا إلا دار تعج بكل التناقضات والتحديات والإنسان السليم الادراك، القوي الإرادة يتغلب على هذا كله بالركون إلى الله، يستمد منه المدد والعون والصبر. قال تعالى {فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ} (سورة آل عمران 146)، والباقي الدائم هو الله تعالى ولا شيء غيره. يقول راث لولده: كل شيء مصيره للزوال غير ربي وصالح الأعمال .. ويقول آخر.. ألا كل شيء ما خلا الله باطل كل نعيم لا محالة زائل لقد فقد الوطن بالأمس القريب الشيخ عبد العزيز بن محمد أبوملحة- رحمه الله، وهو ينتسب إلى أسرة عريقة ذات ولاء وإخلاص لحكومتنا الرشيدة من عهد المؤسس والدنا الكبير جلالة الملك عبد العزيزبن عبد الرحمن آل سعود طيب الله ثراه، إلى عهد والدنا خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز حفظه الله ورعاه، وذلك بالنفس والمال والكلمة وله دوركبير في خدمة الإنسانية دون تفرقة، وهم أسرة بلغت من الكرم الذروة والأصالة المنتهى. إن هذا الرجل كريم اليد واللسان والكلمة لا يمكن أن يعتذر من صاحب حاجة، فاتح أبواب منزله للقاصي والداني، وقدم كثيرا من الخدمات الإنسانية التي لا يمكن حصرها عبر هذه الكلمة. إنه رجل فاضل من أسرة فاضلة، إنه الرجل الذي تنطبق عليه قصيدة الأمير عبد الرحمن بن أحمد السديرى، رحمه الله، حيث يقول: دروب المراجل حبلها يتعب الصعاد ولا يمتطيها كود من واصل الشديد بنينا بها في غابر الوقت والوكاد غني عن التعريف ماضيه الجديد لنا في سنام المجد ما قف او به مقعاد حميناه بنفوس إلى ضدها الضديد تفاعل أو تبذل ما تمن الدما والزاد ولا ننثني والله وخلقه لنا شهيد كلامي يعرفه من تكلم ابحرف الضاد على الواجب الماجوب نجزم ولا نحيد مع الصبر نجبرونتحمل ولا ننقاد إلى الشر والأشرار والماقف الزهيد على نفوسنا بنفوسنا واجب سناد نحطه ولو هو صعب والهون ما يفيد إلى ناموا النوام ما نهتني برقاد انفكر أو نبني ونتفاعل مع الحميد مع مؤسسين الدار قهارات الفساد لهم في بنا مجد العرب ما قف رشيد لهم الكل رأس الكل سادوا على سداد بدو فيه وبلوا فيه والعافية رصيد يهون الفتى ما هان منا جانبه واعتاد على قد ما تبذر توقع من الحصيد على ذمة التاريخ مازان صعب او كاد والأقدار تجري والسبب مطلب سديد أقول المثايل والهواجس لها ملكاد بقلب على جور الدهر جابر عنيد لقد كان أبو محمد، على خلق كريم، وكان الوطن بهمومه وشجونه وشؤونه يشغل مساحة كبيرة في قلبه ووجدانه، محبا للخير وداعيا إليه بذل جهدا كبيرا من أجل الوطن فترك أعمالا جليلة سيخلدها التاريخ، أحب الناس فأحبوه، عاش مقدرا طيلة حياته، وبقي له ذكرى خالدة محمودة بعد وفاته. وصدق من قال: إذا اراد الله بعبد خيرا حبب فيه خلقه. اللهم اجعلنا ممن أحببت فيهم خلقك، اللهم ارحم فقيدنا الغالي، اللهم أسكنه فسيح جناتك، اللهم اطرح بركتك في ذريته واجعلهم من الأبرار والأخيار وانفع بهم الوطن وأهله، واختم أعمالنا وأعمالهم وسائر المسلمين بالصالحات يارب العالمين.