مبادرة لرعاية المواهب السعودية في قطاع الجمال    النفط يرتفع عند التسوية    الشيخ صلاح البدير يؤم المصلين في جامع السلطان محمد تكروفان الأعظم بالمالديف    الفاكهة الاستوائية.. قصة نجاح    9 أعوام تضيء مستقبل الوطن    تقلص الجليد القطبي    مخاطر في الذكاء الاصطناعي    الرياضة السعودية.. نهضة وتنمية مع الذكرى التاسعة لرؤية 2030    المعلق الرياضي محمد البكر: ما تمر به الكرة السعودية عصر ذهبي بوجود أفضل وأشهر نجوم العالم!    نيوم.. في دوري روشن    مملكة الخير والإنسانية    محافظ الزلفي يرأس اجتماع المجلس المحلي الثاني    رؤية 2030    خشونة الورك: الأسباب.. التشخيص.. العلاج.. الوقاية    تركي آل الشيخ رئيساً للاتحاد السعودي للملاكمة للدورة الانتخابية 2024- 2028    اللواء الودعاني يدشّن مشاريع تطويرية لتعزيز قدرات حرس الحدود    رئيس نادي الثقافة والفنون بصبيا يكرّم رئيس بلدية المحافظة لتعاونه المثمر    محافظ صبيا يشيد بجهود رئيس مركز العالية ويكرمه بمناسبة انتهاء فترة عمله    الاستثمار بالتراث الوطني    الشعر في ظل رؤية 2030    انطلاق فعاليات بطولة القصيم للخيل العربية الأصيلة في ميدان الملك سعود للفروسية بمدينة بريدة    محافظ صبيا يكرم رئيس مركز قوز الجعافرة بمناسبة انتهاء فترة عمله    بلدية صبيا تدعو للمشاركة في مسيرة المشي ضمن مبادرة #امش_30    8 ميداليات حصيلة أخضر البلياردو والسنوكر في بطولة غرب آسيا 2025    ذكاء اصطناعي للكشف عن حسابات الأطفال في Instagram    الفيحاء يتعادل مع العروبة في دوري روشن    أطعمة للتخسيس بلا أنظمة صارمة    "سعود الطبية" تسجّل قصة إنقاذ استثنائية لمريض توقف قلبه 30 دقيقة    تنمية جازان تشارك في مهرجان الحريد ال21 بجزيرة فرسان    جيسوس: ينقصني الفوز بهذا اللقب    ظهور ظاهرة "الهالة الشمسية" في جنوب السعودية صباح اليوم    بناءً على توجيهات ولي العهد..دعم توسعات جامعة الفيصل المستقبلية لتكون ضمن المشاريع الوطنية في الرياض    مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى مجددًا    جامعة بيشة تدخل لأول مرة تصنيف التايمز الآسيوي 2025    1024 فعالية في مهرجان الشارقة القرائي    ملك الأردن يصل جدة    خارطة طموحة للاستدامة.."أرامكو": صفقات محلية وعالمية في صناعة وتسويق الطاقة    مؤشرات وأسواق    الجدعان مؤكداً خلال "الطاولة المستديرة" بواشنطن: المملكة بيئة محفزة للمستثمرين وشراكة القطاع الخاص    ناقش مع الدوسري تعزيز الخطاب الإعلامي المسؤول .. أمير المدينة: مهتمون بتبني مشاريع إعلامية تنموية تبرز تطور المنطقة    9 أفلام يابانية في مهرجان أفلام السعودية    جامعة الفيصل تحتفي بتخريج طلاب "الدراسات العليا"    أكدا على أهمية العمل البرلماني المشترك .. رئيس «الشورى»ونائبه يبحثان تعزيز العلاقات مع قطر وألمانيا    منصة توفّر خدمات الإبلاغ عن الأوقاف المجهولة والنظار المخالفين    لبنان.. الانتخابات البلدية في الجنوب والنبطية 24 مايو    استقبل المشرف العام على مركز الملك سلمان.. الرئيس التونسي: الكفاءات الطبية السعودية تضاهي الدول المتطورة    الرجيب يحتفل بزواج «إبراهيم وعبدالعزيز»    القبض على 5 باكستانيين بالرياض يروجون "الشبو"    لا مواقع لأئمة الحرمين والخطباء في التواصل الاجتماعي    الجائزة تحمل رسالة عظيمة    وادي حنيفة.. تنمية مستدامة    منجزاتنا ضد النسيان    تَذكُّرُ النِّعم    التصلب الحدبي.. فهم واحتواء    نحو فتاة واعية بدينها، معتزة بوطنها: لقاء تربوي وطني لفرع الإفتاء بجازان في مؤسسة رعاية الفتيات    فرع وزارة البيئة بنجران يواصل فعاليات أسبوع البيئة 2025، "بيئتنا كنز"        أمير المنطقة الشرقية يرعى حفل تخريج الدفعة ال55 من طلاب وطالبات جامعة الملك فهد للبترول والمعادن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أعراف
نشر في الجزيرة يوم 07 - 09 - 2013

هنالك شعراء اشتهروا ببيتٍ واحد، أو قصيدةٍ واحدة، وقد كان ذلك كافياً لتخليدهم في الذاكرة والذائقة الشعرية العربية، لأنهم ارتقوا بها، بعد أن أسسوا لها، والذائقة الشعرية العربية لا تشبهها ذائقة في كلّ الحضارات عبر التاريخ.
وشاعرنا الفقيه عروةُ بن أذينة أحد هؤلاء العباقرة، وهو أبو عامر عروة بن أذينة بن مالك بن الحارث الليثي الكناني، وأذينة لقبه، تابعي جليل، وشاعر غزل وفخر، وشريف مقدم من شعراء المدينة المنورة، وهو معدود في الفقهاء والمحدثين، وأحد ثقات أصحاب حديث رسول الله، سمع من ابن عمر، وروى عنه مالك بن أنس في الموطأ وعبيد الله بن عمر العدوي، توفي في 130ه. وهو معدود من الفقهاء والمحدثين أيضاً، ولكن الشعر غلب عليه. ورغم أن له ديوانا شعريا، وأكثر من ستين قصيدة في أغراض شتى فإن الناس لا تتذكره في الغالب إلا عبر قصيدته الغزلية القصيرة المكثفة، الطويلة الجميلة كنخلة عربية أصيلة:
إنَّ التي زَعَمَتْ فُؤَادَكَ مَلَّها
خلقت هواكَ كما خلقتَ هوىً لها.
وقد كانت من مفضلات أديبنا أبي عبد الرحمن عبد الله نور -غفر الله له- ورحمه رحمة واسعة، وكان يرددها بصوته الجهوري، وإلقائه المميز في كل ناد، حتى تكاد تحسبها له من شدة حبه لها، وتعلقه بها، فحفظناها عنه، ومما يشبه حال أبي عبد الرحمن معها، ما رواه مصعب بن عبد الله في حكاية القصيدة، عندما أتاه أبوالسائب المخزومي، فقال له بعد الترحيب، ألك حاجة؟ فقال: نعم أبيات لعروة بن أذينة بلغني أنك سمعته ينشدها، فأنشدته الأبيات فلما بلغت قوله:
فدنا فقالَ لعلّها معذورةٌ
من أَجْلِ رِقْبَتِها فَقُلْتُ لَعَلَّها
طرب وقال هذا والله الدائم الصبابة، الصادق العهد لا الذي يقول:
إنْ كان أهلُك يمنعونك رغبة
عني، فأهلي بي أضنُّ وأرغبُ
لقد عدا هذا الأعرابي طوره، وإني لأرجو أن يغفر الله لصاحب هذه الأبيات لحسن الظن بها، وطلب العذر لها، قال: فعرضت عليه الطعام فقال: لا والله ما كنتُ لأخلطَ بهذه الأبيات طعاماً حتى الليل.
والشعر الذي يكتب من الداخل للخارج، يثري الداخل والخارج، وينمو كشجر الذاكرة ويثمر، ويخلد كهذه القصيدة الرائعة الخالدة:
إنَّ التي زَعَمَتْ فُؤَادَكَ مَلَّها
خلقت هواكَ كما خلقتَ هوىً لها
فِيكَ الذي زعمتْ بِها وكلاكُما
يُبْدِي لصاحِبه الصَّبابَةَ كُلَّها
وَيَبِيتُ بينَ جَوانِحي حُبٌّ لها
لو كانَ تحتَ فِراشِها لأَقَلَّها
ولعمرها لو كان حبّك فوقها
يوماً وقد ضحيت إذاً لأظلّها
وإِذا وَجَدْتَ لها وَساوِسَ سَلْوَةٍ
شَفَعَ الضميرُ إلى الفؤادِ فَسَلَّها
بَيْضاءُ باكَرها النعيمُ فَصاغَها
بلباقَةٍ فأَدَقَّها وأَجَلَّها
لمَّا عَرَضْتُ مُسَلِّماً لِيَ حاجَةٌ
أرجو معونتها وأخشى ذلّها
حجبت تحيَّتها فقلتُ لصاحبي
ما كان أكثرها لنا وأقلّها
فدنا فقال: لعلّها معذورةٌ
من أَجْلِ رِقْبَتِها فَقُلْتُ لَعَلَّها
يا لهذا الحبّ العظيم الذي هو فراشٌ وغطاء، وأرضٌ وسحابٌ وسماء.
وأنا بدوري أردّدُ معهُ بعد قرون ذبلت فيه شجرة الأمة، وأصبحت الضاد نشازاً في آذان بنيها: ما كانَ أكثرها لنا وأقلّها، ولكنني أعني القصيدة التحفة التي حجبها عن ذائقة الأجيال أصحاب المناهج التعليمية في الوطن العربي.
ونعود إلى صاحبنا وقصته الطريفة مع هشام بن عبد الملك، والتي ترد في روايات متعددة، منها للتنوخي: (عروة بن أُذَيْنَةَ يفد على هشام بن عبد الملك):
عن يحيى بن عروة بن أُذَيْنَةَ، قال: أضاقَ أبي إضاقةٌ شديدة، وتعذَّرت عليه الأمور، فعمل شعراً امتدح به هشام بن عبد الملك، ودخَل عليه في جملة الشعراء، فلمَّا دخلوا عليه نسبهم، فعرفهم جميعاً وقال لأبي: أنشدني قولك: لقد علمت.. فأنشدهُ:
لَقَدْ عَلِمْتُ وَمَا الإِشْرَافُ مِنْ خُلُقِي
أَنَّ الَّذِي هُوَ رِزْقِي سَوْفَ يَأْتِينِي
أَسْعَى لَهُ فَيُعَنِّينِي تَطَلُّبُهُ
وَلَوْ جَلَسْتُ أَتَانِي لاَ يُعَنِّينِي
لاَ خَيْرَ فِي طَمَعٍ يَهْدِي إِلَى طَبَعٍ
وَعُلْقَةٌ مِنْ قَلِيلِ العَيْشِ تَكْفِينِي
لاَ أَرْكَبُ الأَمْرَ تُزْرِي بِي عَوَاقِبُهُ
وَلاَ يُعَابُ بِهِ عِرْضِي وَلاَ دِينِي
فقال هشام: ألا جلست في بيتك حتى يأتيك رزقك؟ قال: وغفل عنه هشام، فخرج من وقته، وركب راحلته، ومضى منصرفًا. فافتَقَده هشام، فسأل عنه، فعرف خبره، فأتبعه بجائزة. فمضى الرسول، فلحقه على ثلاثة فراسخ، وقد نزل على ماء يتغدَّى عليه، فقال له: يقول لك أمير المؤمنين: أردت أنْ تكذبنا، وتصدِّق نفسك؟ هذه جائزتك. فقال: قل له: قد صدقني الله، وأتاني برزقي بحمده.
ويروى أنه كان يخرج في الثلث الأخير من الليل إلى سكك البصرة فينادي: يا أهل البصرة، أَفَأَمِنَ أَهْلُ القُرَى أَن يَأْتِيَهُم بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَائِمُونَ. أَوَ أَمِنَ أَهْلُ القُرَى أَن يَأْتِيَهُم بَأْسُنَا ضحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ . الصلاة الصلاة.
هذا شاعرٌ لا يشبهُ أحداً، هنا شاعرٌ لا يشبهُ إلا نخل المدينة.
***
* المعلومات والروايات من الأغاني، والعقد الفريد. وترصد الموسوعة الحرة أربعة مؤلفات عن شعره: أخبار عروة بن أذينة لحماد بن إسحاق الأزدي، وديوان عروة بن أذينة للدكتور يحيى الجبوري، وشعر عروة بن أذينة للأمين محمد عثمان الزاكي، وعروة بن أذينة لعرفات منصور.
[email protected]
الرياض


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.