من المعروف أن معظم الشعر العربي، إن لم يكن كله، هو في المديح، حتى ما يعرف بالنسيب أو الغزل يأتي كمقدمة لشعر المديح، وقد خرج على هذه القاعدة شعراء الحجاز في القرن الهجري الأول، كعمر ابن أبي ربيعة وجميل بثينة وكثيّر عزة، وكان كلّ شعرهم في الغزل، ويروى أنّ ابن أبي ربيعة وفد على هشام بن عبدالملك فقال له: لما ذا لا تمدحنا؟ فأجابه: إنني أمدح النساء، على أنّ أرقّ شعراء هذا العصر، رغم أنه مقل هو عروة ابن أذينة، ومن شعره: إنّ التي زعمت فؤادك ملّها ** خلقت هواك كما خلقت هوى لها فبك التي زعمت بها وكلاكما ** أبدى لصاحبه الصبابة كلّها بيضاء باكرها النعيم فصاغها ** بلباقة فأدقّها وأجلّها منعت تحيتها فقلت لصاحبي ** ما كان أكثرها لنا وأقلّها فدنا وقال لعلّها معذورة ** من أجل رقبتها فقلت لعّلها والقصيدة جميلة لأنها تنتهي بالهاء، وهي هاء الضمير الزائدة التي تدل على الغائب، ومن قبيل هذه القصائد: عفت الديار محلها فمقامها، وياليل الصبّ متى غده، ودعته وبودي لو يودعني صفو الحياة وإنّي لا أودعه، ثمّ إن هناك الحذف البليغ وهو نوع من الإيجاز الذي لا يأتي لصاحبه بسهولة. وقد روي عن سعد زغلول أنه قال في إحدى رسائله: آسف للاطناب لأنّه لا وقت لديّ للايجاز، ومن قبيل الحذف: قالت بنات العم ياليلى وإن ** كان فقيرا معدما قالت وإن وحذف ما بعد إن الأخيرة لأنّ ما قبلها يدلّ عليها، ومن قبيل الحذف هذه الآيات من سورة الضحى: "ألم يجدك يتيما فآوى، ووجدك ضالا فهدى، ووجدك عائلا فأغنى"، هنا حذف المفعول به، وهذا نوع من الالتفات البلاغي، إذ عطف فعل ماض على فعل مضارع، عطف وجد على يجدك، وفي قصيدة عروة جاء الحذف بعد أقلّها وتقديره أقلها عليها، وبعد لعلها أي معذورة، وجاء الحذف لأن ما قبله يدلّ عليه ومن شعره: بيض نواعم ما هممن بريبة ** كظباء مكة صيدهن حرام يحسبن من لين الكلام زوانيا ** ويصدهن عن الخنا الإسلام