إن التي زعمت فؤادك ملها خلقت هواك كما خلقت هوى لها حجبت تحيتها فقلت لصاحبي ما كان أكثرها لنا، وأقلها! وإذا وجدت لها وساوس سلوة شف الضمير إلى الفؤاد فسلها (عروة بن أذينة) هذه الأبيات الرقيقة الناعمة التي يصفها نقد الشاعر العربي بأنها ( من عيون الشعر وأحسنه تعبيرا عن العواطف)، لم يخطر ببالي من قبل أنها قد تكون لفقيه!، فالصورة الذهنية المرسومة في الأذهان للفقهاء غير هذه تماما، فصورة الفقيه في الذهن تتسم بالتجهم والصرامة وربما القسوة أيضا، حتى وإن كان بين الفقهاء من هم مظلومون في هذا التصور. عروة بن أدينة من فقهاء التابعين والمحدثين وممن روى عنهم الإمام مالك، لكني عرفته شاعرا قبل أن أعرفه فقيها!، شعره رقيق وحالم وفيه عفة، لذا ظل في ذهني أقرب إلى الشعراء العذريين منه إلى الفقهاء، وربما لأن شعره يخاطب العواطف وليس العقل، كما يتوقع أن يكون شعر الفقهاء. فالفقيه حين يتطرق في شعره إلى الحب بين الرجل والمرأة، ينظر إلى ذلك من حيث الحلال والحرام، والصواب والخطأ، والنفع والضرر، فلا تتوقع أن تجد في شعره سوى ما كان معبرا عن الرؤية العقلية وحدها، أما غيره من الشعراء فإنه ينظر إلى تلك العلاقة من خلال ما تولده في النفس من المشاعر الجميلة وما تبثه في القلب من السعادة أو الألم عبر نعيم الوصال، أو حرقة الهجر. لكن الفقيه يظل إنسانا تحكمه المشاعر البشرية، هو وإن أدرك الصواب ورآه بعين عقله، لا يملك التحكم في انفعالاته عندما تجيش، يقول: وإذا وجدت أوار الحب في كبدي عمدت نحو سقاء الماء أبترد هبني بردت ببرد الماء ظاهره فمن لنار على الأحشاء تتقد ويقول: ولهن بالبيت العتيق لبانة والبيت يعرفهن لو يتكلم لو كان حيا قبلهن ظعائنا حيا الحطيم وجوههن وزمزم وكأنهن وقد حسرن لواغبا بيض بأكناف الحطيم مركم ما الذي يجعل هذا الفقيه يخلع ثوب الفقه وما يصحبه من لباس العقل ليرتدي زي المشاعر وحدها بلا شريك، فيعبر بحرية واسعة عما ينبض به قلبه وتهفو إليه نفسه، لا يشوبه وجل ولا يحده قيد؟، هل استفاد عروة بن أذينة من معرفته الفقهية، بأن الشعراء لايحدون بما يقولونه عن أنفسهم في شعرهم، اعتمادا على الآية الكريمة أنهم (يقولون ما لا يفعلون)؟. فاكس 4555382-01 للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 160 مسافة ثم الرسالة