من حكمة الله وسنته في خلقه أن جعل الليل محلاً للنوم والراحة، والنهار للعمل والكسب، كما قال تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ}.. وقال تعالى: {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا * وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا}، وكان من هديه صلى الله عليه وسلم التبكير للنوم، ويدل على ذلك ما جاء عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما حيث قال: «بتُّ عند خالتي ميمونة زوج النبي فاضجعت في عرض الوسادة واضطجع رسول الله وأهله في طولها، فنام رسول الله حتى إذا انتصف الليل أو قبله بقليل أو بعده بقليل استيقظ رسول الله، فجلس يمسح النوم عن وجهه بيديه، ثم قرأ العشر الآيات الخواتيم من سورة آل عمران، ثم قام إلى شنّ معلقة فتوضأ منها فأحسن وضوءه، ثم قام يصلي» متفق عليه.. وعن أبي برزة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كان يكره النوم قبل العشاء، والحديث بعدها».. وسبب كراهة الحديث بعدها أنه يؤدي إلى السهر, ويخاف منه غلبة النوم عن قيام الليل أو عن صلاة الصبح، وكل سهر أدى إلى تضييع واجب شرعي فإنه يكون سهرًا محرمًا، حتى ولو كان في طاعة وعبادة فكيف إذا كان السهر على آلات اللهو وما لا فائدة فيه؟ ولأن السهر في الليل سبب للكسل في النهار عن الطاعات، ومصالح الدنيا فيُكره، ويُستثنى من الكراهة ما إذا وجدت الحاجة للسهر أو كانت فيه مصلحة راجحة كسهر الإمام في مصالح المسلمين أو السهر لمدارسة العلم, ومحادثة الضيف، ومحادثة الرجل أهله وأولاده للملاطفة على وجه لا يفوّت به الواجب الشرعي، ويدل على ذلك ماجاء عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَسْمُرُ مَعَ أَبِي بَكْرٍ فِي الأَمْرِ مِنْ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ وَأَنَا مَعَهُمَا» أخرجه أحمد والترمذي.. والنوم نعمة من نعم الله العظيمة ولكن في هذه العصور ومع وجود الكهرباء وانتشارها واختراع التلفاز ووسائل اللهو أخلَّ كثير من الناس بما سنّه الله تعالى ورسوله من النوم المبكر، فيذهب البعض إلى ما يلهيه ويشغله إلى ما بعد منتصف الليل إما مع الأصدقاء للحديث في أشياء لا طائل ولا فائدة منها، وإما أمام الإنترنت والقنوات الفضائية التي تبث برامجها على مدار اليوم مما سبّب ضياع الواجبات الشرعية، وأنتج أضراراً صحية واجتماعية. عضو الجمعية الفقهية السعودية