كنت أدرك في تلك الليلة أن ذلك سيكون لقائي الأخير بك... وعشائي الأخير معك والغريب في الأمر أني كنت أحدثك عن رائعة ليوناردو دافنشي لوحة «العشاء الأخير» إحدى أهم التركات الثقافية في العالم... ربما كنت أُخايل الغيب بأننا سنفترق عقب ذاك المساء استمطر الذاكرة فتهب علي عواصف وبروق... استجلي الأيام... فتقفز أمامي أكوام من الأسئلة والأجوبة المؤجلة. افتح نافذة العمر... فلا أرى سوى خيال يبدو بملامح إنسان... أو ربما شبه إنسان يقف واهناً في ركن الشارع المدموغ باسم «شارع الصبر والانتظار» آه يا ليالي الصبر وأيام الانتظار... لم يعد بالعمر متسع للوقوف مع الدراويش وصعاليك الأرصفة ولا الوثوق بدقات ساعات الليل... ولا بمواء القطط الجائلة بين أكداس مخلفات المنازل... أغلق نافذتي وأعود إلى عشائك الفاخر المكون من عدة أطباق لا أعرف أسماءها فأنا يا صديقة الليل لا أهتم كثيراً بأسماء الوجبات التي أتناولها ولا بأسماء الأدوية التي أتعاطاها. أحاول تذكر متى كان عشاؤنا وفي أي زمن بُعث... هل كان الفصل ربيعاً أم لعله شتاء... والله ما عدت أذكر فأنا يا آخر حب ولا حب بعدك... لم أعد أفرَق بين اختلاف الفصول. ثمة ما يذكرني به هي تلك البدلة الرمادية التي كنت أرتديها التي تشبه لون أيامي... وفي تلك الليلة... كان الكلام الأخير... أيضا. «البستاني» - محمد الخضري