قبل ثلاثين سنة كنا نعتقد أن تنظيم النطاق العمراني الذي قامت به وزارة البلديات هدفه وضع خطط للتطور العمراني وفقاً للاحتياج والواقع الذي يفرضه نمو المدينة، وكانت الحسابات والتنبؤات التي أعدها مستشارون (مؤكد أنهم أجانب) جعلت مدننا حبيسة التطور ومنعت أي توسع مستقبلي، بل في اعتقادي أن المشرع كان حد تفكيره لحدود ما يعتمد له من اعتمادات مالية للبنية التحتية، أو أنه اعتقد أن حصر المدينة وحتى القرية وفق مرئياته ونظرته للمستقبل جعلته أيضاً حبيس ما يطلق عليه النطاق العمراني أو قل الطوق العمراني، لذا اتضح بعد هذا التطور المتلاحق في البنيان والزيادة السكانية أن تنظيم هذا النطاق سابقاً أوجد كثيراً من الخلل والعيب في الخدمات، مثل المياه والصرف الصحي والأمطار وحتى الطرق، ونحن نعاني وسوف تستمر هذه المعاناة ما دام أننا نسير وفق منهجية وخطط عفى عليها الزمن. ومن المؤسف أن البلديات فات عليها إن قصداً أو جهلاً أن ملكية الأراضي البيضاء الكبيرة داخل النطاق العمراني ليست ملكاً لها ولا تستطيع أن تضع أي تنظيم يكفل تطويرها والاستفادة منها، لهذا نجد الكثير من الخدمات تمر على هذه الأراضي من دون أي فائدة تذكر. ومن مساوئ هذا النطاق أنه عرقل طلب الاعتمادات المالية للضواحي والمواقع القريبة من المدن سواء كانت حكومية، وهي للأسف قليلة أو معدومة، أو ملكيات خاصة قام أهلها بتطويرها ووضع بعض من الخدمات. كذلك فإن هذا النطاق ومحدوديته كان سبباً في تحديد نوعية وحجم الخدمات التي تقوم بها الجهات الحكومية. وهذا سبب الكثير من المتاعب والخلل في الخدمات خصوصاً عندما تقوم البلديات بتغيير استخدامات بعض الأراضي أو تحويلها من سكنية إلى تجاربة، وما أكثر مثل هذه المخالفات. ومن المؤسف أيضاً أن البلديات قد تضع برامج وخطط النطاقات العمرانية من دون التنسيق مع الجهات الحكومية الأخرى، بل وتضع فترات لحياة وتطور أي مدينة. وأثبت الواقع أن هذه النظرة كانت ولا تزال سبباً في تأخير الاستفادة من الأراضي خارج النطاق العمراني وبالتالي زيادة أسعار الأراضي خارج النطاق العمراني وداخلها، بل إن النطاق العمراني فصل ما بين ملكية البلديات للأراضي داخل المدن وخارجها لذا تمت ملكية الأراضي الشاسعة خارج النطاق العمراني بكل سهولة. وها هي البلديات تشتكي من نقص أو انعدام الأراضي من أجل توزيعها على المواطنين، فهناك عشرات الألوف بل مئات الألوف من أبناء هذا الوطن ينتظرون هذه المنحة والتي أصبحت محنة ما يزيد على ربع قرن. نحن في أمس الحاجة لغربلة مشكلة النطاق العمراني وإعادة دراستها وفق ما نشاهده من تطور ووفق السلبيات التي لحقتنا طوال عشرات السنين الماضية من هذا التنظيم العقيم. والله الموفق [email protected]