يقول المثل الصيني: البيوت السعيدة لا صوت لها. وما عليك إلا أن تسير بسيارتك في أحد الأحياء الراقية وتُصغي للصمت! ولكن ليس بالضرورة لأننا سعداء بل لأن المدنية سلبتنا عفوية الكلام ومرونة الحركة وحولت حياتنا إلى فليمٍ صامت. سرقت لغتنا الطبيعية ورقعت الشق المتخلّف ببرامج تواصل ركلتنا في حفرة صمتٍ باردة وسحيقة. النسيج الاجتماعي لم يتغيّر؛ والأنماط ذاتها، أعني أن العائلة ما زالت تتحلّق - مثلاً - حول المائدة لكن الصمت هو رب العائلة الذي يصغي له الجميع وله عليهم السمع والطاعة. وصارت شاشة التلفزيون أو شاشات الأجهزة الذكية بديلاً عن حكايا الأمهات وتوصياتهن. فكيف يمكن أن نكون سُعداء وقد فقدنا جوهر العلاقات وهو التواصل بسبب المدنية التي علبّت أصواتنا وسرقت ضحكاتنا الطازجة وأبدلتنا بقهقهة مفتعلة مكونة من هاءات مترادفة لنحظى بضحكات إلكترونية جافة وصامتة هي أيضاً؟. حسناً.. إن قبلنا ببدائل كهذه عن التواصل الحقيقي والدافىء، فإذن كيف يستنجد الصامتون ببعضهم يا ترى؟ كيف يستوعب الآباء مشكلات آبنائهم؟ أو كيف تحوي العائلة أفرادها المحبطين؟ في القُرى النائية، تلك التي لم تصبها آفة الصمت وبلادة التقنية تستنفر البيوت كلها في حالات إنقاذية لمُستنجدٍ في بيت ما. ثقل الواحد يحمله الجميع. الشيوخ كلهم آباؤك ونساء القرية أمهاتك! لكن المدنية سحبت كل الدفء وجمدت الكلام. في بيتٍ صامت من بيوت إحدى المدن، من كان يدري أن خلف جدرانه العالية، ووراء الصمت المكين هنالك فتاة ما في ربيعها الخامس والعشرين استلبت حقوقها المادية والاجتماعية. وتجرعت غصص الألم ما بين عضل أخيها (ولي أمرها) لها واستيلائه على ورثها وما بين تعنيف خالها لها؟ ولي أن أتخيل أنها تضطر - مثلنا جميعاً - أن تلبس أقنعة السعادة لتغازل مدنيتنا الكالحة وتحضرنا المزيف. ولربما تحاول أن تقنع صديقاتها برفاهيتها المفقودة، مثلنا جميعاً.. «حنان».. كان أسمها الذي عاشت به سنينها القصيرة ولم يكن في حياتها نصيب منه. حين عجزت عن إيصال صوتها لمن يغيثها كتبت بضع كلمات لأخواتها عبر «الواتساب» ثم استعانت بالنار لتكمل الحكاية!!.. علّ صراخ النار يصل لأذن الوجود الأخرس. ماتت حنان بعد يومين من إضرام النار حولها، متأثرة بحروق خطيرة طالت 98% من جسدها. ولكن والدتها وأخواتها مازلن في الواقع المجحف ذاته. يجرعن غصص الصمت.. فلكنّ الله! [email protected] kowthermusa@ تويتر