الحمد لله الذي جعل كلامَهُ لأدواءِ الصُّدُورِ شافيا، وإلى الإيمانِ وحقائقهِ مُناديا، وإلى الحياةِ الأبديَّةِ والنَّعيم المُقيم داعيا، وإلى طريقِ الرشادِ هاديا، نحمده على ما أولاه من الإحسان، ونشكره وقد تأَذَّن بالزِّيادة لأهل الشكران، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادةً نَدَّخُرها ليومٍ يُنصَب فيه الميزان، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى الجِنان، والمبعوثِ رحمةً للإنس والجان، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أَهْلِ الفَضْلِ والعرفان، وعلى التابعين ومن تبعهم بإحسان، وسلم تسليمًا كثيرًا. قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (فاطر: 29-30). إخواني: تدبروا القرآن المجيد، فقد دلكم على الأمر الرشيد، وأحضروا قلوبكم لفهم آيات الوَعْدِ والوَعيد، ولازموا طاعة ربكم، واحذروا غضبه، فكم قصم من جبار عنيد إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} (البروج: 12-16). وقد حثنا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم على تعلم القرآن وتلاوته والعمل به، فقال عليه الصلاة والسلام: «خيركم من تعلم القرآن وعلمه»، وعن أبي أمامة الباهلي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «اقرؤوا القرآن؛ فإنه يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه» (رواه مسلم). وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ حرفًا من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول الم حرف، ولكن ألفٌ حرف، ولامٌ حرف، وميمٌ حرف» (رواه الترمذي والحاكم). فينبغي للمسلم أن يحرص على تلاوة القرآن على حسب حاله، وفي حدود استطاعته، فإن كان يجيد القراءة فهذا أفضل وأكمل، وإن كان لا يجيدها فإنه يقرؤه على حسب حاله ويجتهد في إصلاح قراءته على يد من هو أحسن منه قراءة، ووسائل تعلُّم القراءة متيسرة في هذا الزمان ولله الحمد. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا حسد إلا في اثنين، رجل آتاه الله القرآن فهو يتلوه آناءَ الليلِ وآناء النهار، فسمعه جارٌ له فقال: ليتني أوتيتُ مثل ما أوتي فلان فعملت مثل ما يعمل، ورجل آتاه الله مالًا فهو يهلِكُه في الحق، فقال رجل: ليتني أوتيت مثل ما أوتي فلان فعملت مثل ما يعمل» (رواه البخاري). وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يقول: يا ويلي! أُمِرَ ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة، وأمرت بالسجود فأبيت فلي النار» (رواه مسلم وابن ماجه). إخواني: تدبروا هذا القرآن العظيم، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، قال الله تعالى: كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (ص: 29). فهو الهدى الذي يهدي من الضلالة، وينير الحقائق الصحيحة في ظُلَمِ الجَهَالة، يهدي إلى معرفة الله بأسمائه وصفاته وأفعاله، فهو الشفاء من الأمراض البدنية والقلبية، وبه العصمة والنجاة في الأمور الدينية والدنيوية، وهو المزيل لأمراض الشبهات وأمراض الشهوات، بما فيه من البراهين القاطعة والمواعظ المؤثرة والتذكيرات، وفيه من دلائل التوحيد والنبوة والمعاد ما تطمئن به القلوب، وفيه التفاصيل العظيمة النافعة الموْصِلة إلى كل مطلوب، كتاب عظيم هيمن على الكتب السابقة حتى أحاط بها وحواها، وحكم بالحق في كل ما تنازعت فيه الأمم أولها وآخرها، أَعْيا ببلاغته وحُسْنَ نَظْمِهِ جميع البلغاء، وحَيَّر بحسن أسلوبه وما كشفه من غيوبه أفئدة العقلاء، وأصْلَح بهدايته العقائد والأخلاق والأعمال، كتاب حفظه الله من التغيير والتبديل والزيادة والنقصان، من قال به صَدَق، ومن عَمِلَ به أُجِر، ومن حَكَمَ به عَدَل، ومن عاد إليه فقد هُدي إلى صراطٍ مستقيم. كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتدبر القرآن ويتفهم معانيه، كما في قصة عبد الله بن مسعود رضي الله عنه حينما أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يقرأ عليه آيات من القرآن، فقال عبد الله: أقرأ عليك وعليك أُنزل؟ فقال صلى الله عليه وسلم: «إني أُحب أن أسمعه من غيري»، فقرأ عليه عبد الله آياتٍ من سورة النساء حتى بلغ قوله تعالى: فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا (النساء: 41)، فقال: «حسبك»، قال عبد الله: فَنَظَرْت فإذا عيناه تذرفان، أي: تدمعان، صلوات الله وسلامه عليه (رواه البخاري). إخواني: بادروا بالأعمال الصالحة، فما الأعمار إلا ساعات وأيام، والأيام خزائن للناس ممتلئة بما خزنوه فيها من خير وشر، وفي يوم القيامة تفتح هذه الخزائن لأهلها، فالمتقون يجدون في خزائنهم العزَّ والكرامة، والمذنبون يجدون في خزائنهم الحسرةَ والندامة. قال الله تعالى: يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (آل عمران:30). بارك الله لنا جميعًا بالقرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من الآيات والذِّكْر الحكيم، اللهم ارفعنا وانفعنا بالقرآن العظيم، اللهم اجعلنا لكتابك من التَّالين، ولك به من العاملين، واجعلنا في هذا الشهر من المقبولين، وأغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. - الإدارة العامة لتطوير الخطط والمناهج بوكالة الجامعة لشئون المعاهد العلمية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية [email protected]